عريب الرنتاوي
ثمة ما يُنبئ بأن اليمن مقبل على واحدة من أكبر عمليات “خلط الأوراق” وتغيير المواقف والمواقع، في بلد اشتهر على امتداد تاريخه الحديث، بمثل هذا النوع من عمليات الخلط والتغيير والتبديل للخنادق والتحالفات، لكن “الدخان الأبيض” لم يتصاعد بعد في سماء صعدة وصنعاء، أو الرياض وأبو ظبي.
القرارات “الرئاسية” التي أقصت خالد البحاح عن منصبيه، كنائب لرئيس الجمهورية ورئيس للوزراء، وجاءت باثنين من مقربي “الرئيس المخلوع” السابقين: اللواء الشمالي على محسن الأحمر كنائب للرئيس والقائد العام، والسياسي الجنوبي أحمد دغر كرئيس للوزراء، لا يمكن فهمها إلا في سياق “كسر العظم” مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح..
ثمة اعتقاد راسخ في أوساط المراقبين للمشهد اليمني المتفجر، بان قرارات عبد ربه منصور هادي الأخيرة، لم تكن لتصدر من دون طلب من الرياض، أو أقله من دون ضوء أخضر عنها ... فالرجل يعيش في كنفها منذ أن غادر عاصمة ملكه السعيد، ومن دون احتضانها ودعمها، سيصبح نسياً منسياً بكل تأكيد ... وثمة اعتقاد آخر، لا يقل رسوخاً لدى هذه الأوساط، مفاده أن هذه القرارات، موجة ضد صالح شخصياً، ومن ضمن حملة تصفية حسابات معه، اضطرت المملكة وحلفاءها إلى “تجرّع كأس” الحوثيين، بوصفه الأقل مرارة من كأس العلقم الذي يمثله الرئيس المخلوع.
مع أن كثيرين نصحوا المملكة وحلفائها، بشق قنوات التواصل والتصالح مع صالح، إن أرادت المملكة خنق الحوثيين والقضاء على “تمردهم” بأقل الأثمان الممكنة، بالاستناد إلى إشارات سرية وعلنية، بعث بها صالح إلى كل من يعنيهم الأمر، تنم عن الاستعداد للتخلي عن الحوثيين، إذا ما توافرت له “صفقة مناسبة” ... لكن يبدو أن قدراً من “الشخصنة” أصاب المقاربة السعودية للملف اليمني، و”الشخصنة” مكوّن مهم في السياسات العربية، لا يجوز إغفاله برغم “لا عقلانيته”... و”الشخصنة” هنا ربما تعود إلى “انقلاب” صالح على الخليجيين، بعد أن أنقذته “مبادرتهم” من عقاب عسير مع الشارع اليمني الذي خرج عن بكرة أبيه في أكبر ثورة شعبية سلمية، في بلد السلاح والقبائل.
وثمة من يعتقد أن ما يجري من محاولات “جس نبض” بين الرياض وصعدة، ليس سوى محاولة أخرى لشق التحالف الحوثي / “الصالحي” إن جاز التعبير، وهو ليس من طينة “حلف الفضول”، بل مجرد تحالف مؤسس على “المصلحة الطارئة” في مواجهة “العدو المشترك”، في حين يحتفظ الجانبان بذكريات مريرة أحدهما عن الآخر، سيما بعد ست حروب شنها “المخلوع” على الحوثيين منذ العام 2004 وحتى العام 2009، جنّد لها دعماً سعودياً في بعض فصولها، وإسناداً “سلفياً جهادياً” في معظم مراحلها.
ولهذا كان لافتاً، أن تفتح الرياض قناة حوار مع الحوثيين، بدأت سرية وبوساطة عُمانية، وانتهت علنية ومباشرة، وقد كشف الأمير محمد بن سلمان عن وجود وفد حوثي في الرياض للتفاوض في الرياض، ونفى وزيره خارجيته عادل الجبير، أن يكن من بين أعضاء الوفد، ممثلين عن “المخلوع”، وسط مناخات متفائلة نسبياً تشيعها الرياض عن سير المحادثات التي تسبق بأيام، دخول وقف النار حيز التنفيذ، والانتقال إلى الكويت، للدخول في جولة مفاوضات، يعتقد كثيرون، أنها حاسمة الأهمية.
لا ندري كيف ستنتهي عملية “خلط الأوراق” الجارية، فالمعلومات عن مضمون المفاوضات في الرياض وغيرها، ما زالت شحيحة، ومتضاربة في كثيرٍ من الأحيان، منها أن الرياض أبدت الاستعداد للاعتراف بجماعة الحوثي، كمكون “رئيس” من المكونات اليمنية، نظير قبول الحوثيين على إخراج صالح من معادلة الحل ... لكن خياراً كهذا يبدو بعيد المنال، سيما في ضوء ثبات قطاعات عسكرية وعشائرية كبرى على ولائها للرئيس السابق، بدلالة صمود الجيش اليمني وبخاصة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، والحشد الجماهيري في ميدان السبعين الذي أعاد التذكير بالمظاهرات المليونية التي اجتاحت عواصم عربية عدة، في سنيّ الربيع العربي الأولى، ولكن بالاتجاه المعاكس.
ثم أن على السعودية، ان تقدم للحوثيين عرضاً لا يمكنهم رفضه، قبل أن تتوقع منهم أن يتخلوا عن “رفقة السلاح” والحرب لمّا تضع أوزارها بعد، فما الذين يمكن للمملكة أن تقدمه لهؤلاء، ، وما الذي يتبقى من “حيثيات” الحرب على اليمن و”أسبابها الموجبة” إن خرج الحوثيون من مفاوضات الكويت بـ “كثير من الحمص”، فيما الدعاية الإعلامية والسياسية المصاحبة لـ “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل”، ذهبت بعيداً في الحديث عن انتصارات غير ملتبسة جرى تحقيقها، وهزائم نكراء جرى إلحاقها بـ “رأس الجسر” الإيراني في الخاصرة اليمنية للسعودية ودول الخليج.