عريب الرنتاوي
العرب غائبون عن السجال الأمريكي – الإسرائيلي حول “إنهاء الاحتلال المستمر منذ خمسين عاماً” وتجسيد “حل الدولتين” ... أوباما يتحدث عن خلاف عميق وقضايا خلافية جوهرية مع نتنياهو، وربما بصورة غير مسبوقة على الإطلاق في العلاقات الثنائية بين الحليفين الاستراتيجيين.
لم نر ردود أفعال تصدر عن العواصم أو وزراء الخارجية العرب ... لم نقرأ مواقف لهم حين أدلى نتنياهو بتصريحاته الاستفزازية التي تعهد فيها بمنع قيام دولة فلسطينية طالما بقي على رأس الحكومة في إسرائيل، ومارس تحريضاً عنصرياً فجأ ضد فلسطيني – 48، أصحاب البلاد الأصليين، والذي يشكلون اليوم 20 بالمائة من سكان إسرائيل.
هم بلا شك منشغلون، فالحوثيون اليوم، هم “العدو الأول” لمروحة واسعة من الدول العربية النافذة، والتناقض معهم هو التناقض الرئيس الذي يطغى على كل التناقضات مع إسرائيل أو غيرها ... بعضهم يولي اهتماماً بزرع طريق الجنرال حفتر بالعقبات والألغام، فإن قيّض له أن ينتصر، سينتهي عهد حلفائهم في ليبيا، والصراع ضد حفتر وبرلمانه وحكومته، هو التناقض الرئيس الذي لا يتقدم عليه أي تناقض.
مصر مهمومة بأمن الخليج، كل يوم تأكيد على أنه جزء من أمن مصر القومي، وتصريحات تعيد قياس “مسافة السكة” بين القاهرة والرياض ... دمشق وبغداد في نكبة مستدامة، تتواضع معها نكبة 48، والجزائر منخرطة في جدل حول الوراثة والتوريث، أما تونس فبالكاد تصحو من استحقاق لتجد نفسها في استحقاق آخر.
عمّان، الأقرب لفلسطين، تطلق إشارات متناقضة، من جهة يجري باستمرار تعريف وإعادة تعريف المصالح الأردنية في الحل النهائي، في صدارة ذلك النظر إلى قيام الدولة المستقلة القابلة للحياة، بوصفه خط الدفاع الأول عن الأمن والاستقرار والكيان والهوية ... ومن جهة ثانية يتأكد كل يوم أن الدولة العتيدة باتت في “خبر كان”، فماذا نحن فاعلون؟
تدرك عمّان أن “الطاقم الجديد” للحكومة الإسرائيلية الجديدة هو هيئة أركان حرب، وليس فريق مفاوض باحث عن السلام ... تدرك بلا شك، أن سنوات أربع عجاف تنتظر فلسطين، وتنتظر علاقات الأردن مع تل أبيب خصوصاً في القدس والمقدسات والأقصى و”الرعاية”، ولكنها مع ذلك، تبدي حماسة شديدة، لتوقيع اتفاقات بعيدة الأجل مع الاحتلال في مجالي المياه والطاقة، لا ترفع منسوب المياه في صنابيرنا بقدر ما ترفع منسوب قلقنا واعتماديتنا على إسرائيل ... !
الفلسطينيون المنقسمون على أنفسهم، الذين طالت غيبتهم عن ميادين المواجهة الواسعة مع الاحتلال، يتابعون بأمل، هذه الجولة من الخلاف الأمريكي – الإسرائيلي، لكن شيئاً في داخلهم، مستوحى من بؤس تجربتهم مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، يجعلهم أكثر تحفظاً هذه المرة في التعبير عن “البهجة” وتدشين الاحتفالات ... هم ينتظرون بلا شك، أن يتطور الموقف الأمريكي بصورة تسمح لهم بـ “تدويل” قضيتهم واللجوء إلى مجلس الأمن للاعتراف بدولتهم المستقلة.
لكأن سجال المواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة، الذي بدأ قبل الانتخابات وتواصل بعدها، لا يعنينا من قريب أو بعيد، مع أن أطرافاً دولية تفاعلت مع الموضوع بصورة أفضل، البيان الأوروبي تطور مهم في هذا السياق، والتعليقات الأممية على تصريحات نتنياهو، لم يصدر شبيه لها عن الجامعة العربية المنهمكة بترتيب “برتوكولات استقبال” من سيحضر من القادة العرب المنتجع السياحي المصري، فتلكم هي المهمة الأصعب للقمة، طالما أن بياناتها الختامية معدة سلفاً، ومرحّلة من قمة إلى أخرى، ولا تحتاج سوى لقلم “المحرر المسؤول” الذي يغير التاريخ هنا، ويبدل الأسماء هناك، فيعود بيان شرم الشيخ نهاية الشهر، شبيه ببيان شرم الشيخ 2003، أن لم نقل نسخة غير مزيدة وغير منقحة عنه.
العرب في غيبوبة، عرب عاربة وعرب مستعربة وعرب غائبة (ردّ الله غيبتهم)... أما نظامهم الإقليمي فقد بلغ من الكبر عتيّا ومن العمر أرذله، وأصابته الشيخوخة مبكراً ... حروب القبائل والطوائف والمذاهب، تذهب بهم في كل اتجاه، باستثناء فلسطين، التي كانت السبب في نشوء الجامعة والنظام الإقليمي العربي ... فقدوا بوصلتهم إلى فلسطين، بعد أن دخلوا في حروب داحس والغبراء، البعض يفضلها “داعش والغبراء”، وهم في هذه الميادين أكثر “فروسية” منهم في ميادين المواجهة مع إسرائيل، ألم يقل سابقاً “أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ”؟! ... هنا في حروب الملل والنحل، تتحرك الجيوش ويتقافز الجنرالات ووزراء الدفاع أمام الكاميرات، أما إن فكر أحدهم بمواجهة إسرائيل، فهو إما مجنون أو صاحب أجندات إقليمية أو مقامر امتهن مقارفة “المغامرات غير المحسوبة”.
السجال الأمريكي – الإسرائيلي، تطور مهم في علاقات الجانبين، وعنصر جديد في كتاب “القضية الفلسطينية” الذي حذف من المناهج التعليمية في كثير من الأقطار العربية ... ونحسب من دون إفراط في التفاؤل أو تفريط في تقدير أهمية الحدث، أنه تطور يمكن البناء عليه، إن توفر البناؤون وأخلصت نواياهم وأنار الله بصائرهم وأبصارهم.