بقلم عريب الرنتاوي
ما لم يُلحِق طرفٌ من طرفي الصراع، هزيمة واضحة ومعترف بها، بالطرف الآخر، سيكون من الصعب عليه إملاء شروطه كاملة على مائدة المفاوضات ... وحدها هزيمة موصوفة، يمكنها أن تجعل المفاوضات بين طرفين، نوعاً من فرض الإملاءات والانصياع لها ... وهذه وضعية غير متحققة، لا في الأزمة اليمنية ولا في الأزمة السورية.
المعارضة السورية (مؤتمر الرياض) تريد أن تبدأ المفاوضات والعملية الانتقالية بتنحي الأسد أو تنحيته، مع أن جحافل قواتها الضاربة، ما زالت بعيدة جداً عن “قصر الشعب/ الجمهوري” القابع على قمة فوق دمشق، والتطورات الأخيرة في الميدان السوري، أبعدتها أكثر فأكثر عن “خط النهاية” ... النظام صمد وقاتل واستدعى كل من طالته يديه من الحلفاء والأصدقاء، لضمان عدم الوصول إلى وضعية كهذه، فكيف سيقبل النظام وداعموه، أن يسلموا على مائدة التفاوض، ما عجز الآخرون عن انتزاعه منهم في ساحات القتال؟
في اليمن، تبدو الصورة شبيهة إلى حد كبير، ولكن من مواقع معكوسة هذه المرة، النظام “الشرعي”، ممثلاً بالرئيس عبد ربه منصور هادي وأركان حكومته، المقيمين في الرياض، لم يحسم الحرب على الحوثيين وجماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ... ومع ذلك، يدخل وفد “الشرعية” قاعة الاجتماعات، وبيده مطلب “انسحاب الحوثيين من المدن” وتسليم السلاح لـ “الشرعية” والسماح بعودة هذا الفريق لاستلام المؤسسات والسلطات والأجهزة وغيرها.
هل بلغ الامربالفريق الآخر، حد تسليم “عنقه” لمقصلة خصومه؟ ... عن أية دولة وجيش وشرعية يتحدثون، طالما أن كل فريق يدعي لنفسه الشرعية و”الدولة” و”الجيش” ... عندما ترد عبارة “الجيش اليمني” في وسائل الإعلام المستقطبة والمتحاربة، عليك أن تدقق في اسم الصحيفة أو القناة الفضائية، فهذه العبارة تعني شيئيين مختلفين، “الجزيرة” و”العربية” تقصدان بها قوات هادي، و”المنار” و”الميادين” تقصدان بها قوات صالح والحوثيين وأي التباس في ربط الخبر بمصدره، قد يفضي إلى إفساد معلوماتك عن تطورات الميدان في الأزمة اليمنية.
إن لم يكن ممكناً بعد ثلاثة عشر شهراً من الحرب الضروس في اليمن وعليه، حسم المسألة عسكرياً، وبصورة لا لبس فيها ولا “اجتهاد في موضع النص”، فكيف يمكن لها أن تُحسَمَ بطريقة فرض الإملاءات على مائدة المفاوضات؟ ... ومن ذا الذي يتصور أن الحوثيين وصالح، سيرفون الرايات البيضاء في الكويت، وهم الذين لم يرفعوها فوق صنعاء وصعدة ومأرب وتعز والجوف وغيرها؟
وطالما أن طرفي الأزمة والاقتتال، قد قبلا بالاحتكام إلى الدبلوماسية والحلول السياسية لأزمات بلدانهم، فمعنى ذلك، أنهم قرروا سلفاً الوصول إلى “نقطة ما”، وليس بالضرورة نقطة وسط أو نقطة في منتصف الطريق، التي تفصلهما عن بعضهما البعض ... معنى ذلك، أن كل فريق ملزم بتقديم تنازلات عن جزء من مواقفه وطموحاته، لجعل الحل السياسي ممكناً، وإلا سيعودان في كل مرة إلى المربع الأول، وربما إلى الميدان لتعديل مكان هذه “النقطة” على الخط الفاصل (ولا نقول الواصل) بين الطرفين.
في التفاوض، من الطبيعي أن تبدأ الأطراف من “الحد الأقصى” وصولاً إلى الحد الأدنى المقبول والذي يمكن تسويقه وتسويغه على القواعد والحلفاء والأصدقاء ... وهذا يحتمل انتكاسات في العملية التفاوضية، وربما عودة من حين إلى آخر إلى الجبهات لتعديل موازين القوى على الأرض، علّها تأتي بنتائج أفضل في قاعة المفاوضات ... ما جرى في جنيف حين قررت المعارضة السورية تعليق مشاركتها، يمكن أن يندرج في هذا السياق، وما نشهده من تقدم وتراجع في مسار المفاوضات اليمنية، يندرج في السياق ذاته تقريباً.
لكن الأمر الهام الذي يتعين على الأطراف التفاوضية مراعاته وهي تفاوض وتحارب، هو مدى فهم وتفهم الأطراف الفاعلة الأخرى، لقراراتها وتكتيكاتها، وإلا انعكست وبالاً عليها، وجاءتها بعكس ما كانت تتوخاه من نتائج ومكتسبات ... المعارضة السورية أخطأت بقرارها “تعليق المفاوضات” وقد تدفع ثمناً لذلك من رصيدها ... الحوثيون كان يمكن أن يكونوا في موقع مماثل، لو أنهم “ركبوا رؤوسهم الحامية”، وظلوا على “ترددهم” بالالتحاق بمسار الكويت التفاوضي.