بقلم: عريب الرنتاوي
أنهت إيران انتخابات مجلسي الشورى والخبراء بأقل نسبة اقتراع تسجلها منذ قيام الثورة الإسلامية قبل 41 عاماً (42.5 بالمئة)، في المدن الكبرى كطهران، تدنت النسبة إلى ما دون الثلاثين بالمئة، على الرغم من الجهود الكبرى التي بذلتها القيادة الإيرانية لرفع نسب التصويت، بما فيها «فتوى المرشد الأعلى» التي جعلت الاقتراع «واجباً دينياً» أو «فريضة عين»، دع عنك لجوء طهران لحجب المعلومات عن مستوى تفشي فايروس «كورونا» تجنباً لأية انعكاسات ضارة قد تتسبب بها على معدلات الإقبال على التصويت.
لقد حاولت القيادة الإيرانية احتواء «صدمة الإحجام عن الصناديق»، فقالت إنها نسبة مرضية (جيدة)، وعزت الأمر إلى ظروف وأسباب عديدة، من بينها التصعيد والتحريض الأمريكيين، وواقعة سقوط الطائرة الأوكرانية وما تلاها من احتجاجات، فضلاً عن برودة الطقس وتفشي فايروس «كورونا» ... لكن أياً من هذه الأسباب، لم يكن مقنعاً لكثير من المراقبين، الذين رأوا في هذه الظاهرة، تعبيراً عن مأزق «النظام السياسي الإيراني» ودلالة على عدم صلاحيته كنظام يجسد التعددية الإيرانية ويؤمن تداولاً سلمياً للسلطة ويعكس حاجة أجيال ما بعد الثورة للتغيير.
قبل الانتخابات، كانت التقديرات تذهب لترجيح كفة الأصوليين – المحافظين في الانتخابات، سيما بعد وصول علاقات إيران مع الغرب (واشنطن بخاصة) إلى جدار مسدود، وتعرض الإصلاحيين الذين قادوا خيار التفاوض مع الغرب لأعنف الانتقادات والاتهامات ... وما ترتب على تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية للإيرانيين من اتساع دائرة معارضتهم لحكومة روحاني، إلى أن جاءت قرارات مجلس صيانة الدستور برفض ترشيحات أكثر من تسعة آلاف مرشح (من أصل أزيد من 16 ألف)، من ضمنهم معظم مرشحي التيار الإصلاحي، لتُبقي الطريق ممهدة للون واحد للاستحواذ على غالبية مقاعد البرلمان، وهذا ما كان على أية حال، إذ حصل ممثلو التيار الثوري على أزيد من 70 بالمئة من المقاعد.
إن استمر الحال الإيراني، محلياً ودولياً، فليس من المستبعد أن تكون انتخابات 2020 التشريعية، «بروفة» لما ستكون عليه نتائج انتخابات 2021 الرئاسية، فالتيار الإصلاحي يكاد يختفي عن المشهد البرلماني، وليس ثمة ما يشير إلى إمكانية عودته لتصدر الانتخابات الرئاسية.
وسيكون لغلبة الثوريين - الأصوليين على مؤسسات القرار، أثر حاسم على السياستين الداخلية والخارجية لإيران ... فالعلاقة مع الغرب التي تمر بواحدة من أكثر لحظاتها تأزماً، ستشهد مزيداً من الانسدادات، وفرص استئناف التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني ستتراجع، والعلاقة الإيرانية مع الاتحاد الأوروبي التي ترقد في غرفة الإنعاش، قد تجابه انزلاقات خطيرة.
أما على مستوى الإقليم، فمن المنتظر أن يترتب على انتخابات هذه السنة والسنة المقبلة، قيام إيران بتشديد قبضتها على البلدان التي ينشط فيها حلفاؤها من أحزاب وميليشيات، وربما ترتفع حدة التوتر مع دول الخليج العربية، سيما وأن أغلب التقديرات ترجح جنوح قادة هذا التيار لسياسات وممارسات أكثر هجومية وأكثر عدائية، تتناسب طردياً مع تفاقم «الضغوط القصوى» على إيران.
وعلى ما يبدو، فإن «سوء الطالع» يرافق إيران منذ مطلع العام الجديد 2020، بدءاً باغتيال قاسم سليماني وسقوط الطائرة الأوكرانية وما رافقها من أداء مرتبك وضعيف، مروراً باندلاع الاحتجاجات الداخلية مجدداً، واستمرار الاحتجاجات الشعبية الكبرى في بعض عواصم «الهلال الشيعي»، وصولاً إلى الانتشار المتسارع لفايروس «كورونا» ... لكأن إيران لا تكفيها العقوبات القصوى على خلفية برنامجيها النووي والصاروخي ودورها الإقليمي، حتى جاءها الحصار من جوارها القريب والبعيد هذه المرة، ولكن على خلفية انتشار هذا الفايروس اللعين.