كورونا و«العلوم السياسية»

كورونا و«العلوم السياسية»

المغرب اليوم -

كورونا و«العلوم السياسية»

بقلم _ عريب الرنتاوي

مثلما داهم فيروس كورونا «العولمة» في لحظة ترنح، فإنه يداهم «الديمقراطية الليبرالية» في وضع مشابه ... منذ سنوات، والمفكرون والخبراء يتناولون مأزق الديمقراطية الغربية، «الليبرالية الجديدة» بخاصة، مع تركيز استثنائي على الظاهرات المخيفة التي أنتجتها التجربة في عدد من الدول، ليس ترامب في الولايات المتحدة وجونسون في المملكة المتحدة، سوى نموذجين عنها، فيما ينهض الصعود غير المسبوق لقوى اليمين المتطرف، الشعبوي، العنصري، بوصفه تعبيراً عن المأزق العالمي للديمقراطية.

وجاءت الانتكاسات المتلاحقة، لمسارات الانتقال الديمقراطي في منطقتنا العربية، بعد اندلاع أولى موجات الربيع لتضيف إلى مخاوف الباحثين والخبراء، مخاوف إضافية ... سيما بعد انتقال عدوى النكوص عن الاختيار الديمقراطي، ولأسباب عديدة، وفي سياقات مختلفة، دولاً كبرى في آسيا وأمريكا اللاتينية (الهند والبرازيل وغيرها)، تزامناً مع صعود الأدوار الإقليمية والدولية، لدول غير ديمقراطية (روسيا والصين).

خلال السنوات السبع العجاف الأخيرة، التي صاحبت وأعقبت اندلاع حريق الإرهاب، وتفاقم موجات الهجرة واللجوء، انتقل مركز اهتمام دول غربية عديدة، من «نشر الديمقراطية» و»احترام حقوق الإنسان»، إلى محاربة الإرهاب واحتواء موجات اللجوء ووقف زحف اللاجئين ... وأصبحت قضايا «الأمن والاستقرار» تحتل مكانة متقدمة على موضوعات الديمقراطية وحقوق الإنسان على جدول أعمال دول غربية عديدة، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل خاص ... وأفضى صعود «داعش» و»خلافته الإسلامية» إلى محو كل الخلاصات والدروس التي ترتبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي القلب منها:»أن أنظمة الجنرالات والسلالات التي دعمها الغرب لسنوات وعقود طويلة، كانت المنبع الذي لا ينضب لموجات التطرف العنيف» ... «عادت ريما لعاداتها القديمة»، وعاودت عواصم غربية عديدة، توثيق تحالفها مع أنظمة الفساد والاستبداد على امتداد خريطة العالم، طالما كان ذلك في خدمة أولوياتها الفورية الضاغطة.

اليوم، يتلقى النموذج الديمقراطي، غير المثالي وإن كان الأرقى الذي اخترعته البشرية حتى الآن... اليوم، يتلقى هذا النموذج طعنة نجلاء بدوره ... أنظمة الديمقراطية – الاجتماعية، لم تثبت أنها «أكثر إنسانية» فحسب، بل وأظهرت أنها أكثر كفاءة في التعامل مع جائحة كورونا وأكثر قدرة على استيعاب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، من أنظمة «الديمقراطية الليبرالية» ... اليوم، تبدو المطالبة بعدم تخلي الدولة أو استقالتها من وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، أكثر شعبية وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

أكثر من مليار نسمة على سطح الكوكب يعيشون تحت وطأة قوانين الدفاع والطوارئ والأحكام العرفية، وغالباً برضى شعبي تام، بل وكنتيجة لمطالب مدعومة جماهيرياً ... اليوم تظهر الدولة بمؤسساتها المختلفة، بوصفها «الملاذ الأخير» للمواطن الذي يبحث عن الأمن والحماية والرعاية... اليوم، تُختبر قدرة مؤسسات المجتمع المدني على القيام ببعض من وظائفها، وليس ثمة ما يشي بأنها نجحت في اجتياز هذا الاختبار، مع فارق بالطبع، بين دولة ودولة، وتجربة وأخرى.

كورونا، ليس جائحة صحيّة – وبائية فحسب، كورونا سيكون “Game Changer”، لكثير من المفاهيم والنظريات المتصلة بنظريات السلطة والدولة والمجتمع المدني وأنظمة الحكم ... كورونا سيجبرنا على مراجعة الكثير من مسلماتنا وفرضياتنا ... كورونا سيهز أركان نظريات «النظم السياسية» مثلما سيهز «النظام العالمي» الذي داهمه الفيروس في لحظة انتقال كذلك، بين قديم -نظام القطب الواحد- يأبى الزوال، وجديد «التعددية القطبية» يكابد للحضور  ... بعد كورونا، سنشهد تغيرات جوهرية في «معادلات القوة» وتوازناتها وفي موقع ومكانة الأطراف الدولية الفاعلة، وليس غريباً أن تكون الصين، موطن كورونا الأول، هي الرابح الأكبر بفعل الانتشار الكوني – الوبائي لهذا الفيروس الخبيء والخبيث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا و«العلوم السياسية» كورونا و«العلوم السياسية»



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib