هل يعظّم تحدي كورونا فرص الحل السياسي في سوريا

هل يعظّم تحدي "كورونا" فرص الحل السياسي في سوريا؟

المغرب اليوم -

هل يعظّم تحدي كورونا فرص الحل السياسي في سوريا

بقلم - عريب الرنتاوي

فجأة، يتسرب "التفاؤل الحذر" إلى التقارير والتحليلات التي تتناول الأزمة السورية وتدور حولها، على الرغم من اختلاف مصادرها وتباين مرجعيات أصحابها، وذهب باحثون ومحللون للتكهن باحتمال أن يأتي الحل السياسي لهذه الأزمة، الذي طال انتظاره، على "جناحي كورونا" التي تجتاح العالم متسببة بأعلى درجات الإنهاك الاقتصادي والمالي (دع عنك الصحي) لمختلف دوله ومجتمعاته.
 
خلال الأسابيع القليلة الفائتة، أوردت التقارير ومصادر المعلومات، جملة من المعطيات والمؤشرات، التي إن قُدّر لها أن تتراكم في الاتجاه ذاته، دون مفاجآت، قد تفضي إلى حدوث "اختراق نوعي" على طريق الحل، من بينها:
(1) ظهور علائم علنية على "ضيق" موسكو بسلوك النظام في دمشق، سياسياً وميدانياً، دفعت بالبعض حد التكهن بإمكانية انفتاح روسيا على خيار "نظام من دون أسد، وسوريا من دون إيران"...
(2) "تسريبات" إسرائيلية تتحدث عن بدء إيران سحب وحدات من "حرسها الثوري" من سوريا، تحت ضغط الضربات الجوية والصاروخية المتكررة وتكتيك "حرب الظلال" الإسرائيلية...
(3) بدء الحديث عن سيناريو يتجاوز مساري جنيف وأستانا، وشق مسار ثالث، تلعب فيه واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كل من إيران وتركيا وإسرائيل، أدواراً في تحديد معالم الحل النهائي للأزمة السورية...
(4) وصول التطورات الميدانية (العسكرية) حداً في الشمال الغربي يصعب تجاوزه دون صدام تركي سوري، أو تركي روسي، وفي الشمال الغربي، دون صدام سوري أمريكي أو روسي – أمريكي، وجميعا صدامات غير مرغوبة.
 
موسكو – دمشق...أية مستجدات؟
سجلت العلاقات بين موسكو ودمشق، ثلاثة تطورات لافتة خلال الأسابيع الستة الفائتة، الأول؛ رسالة التحذير "اقرأ التوبيخ" التي وجهها الرئيس بوتين إلى الرئيس الأسد، وحملها وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى "قصر الشعب" في 23 آذار الفائت، وتتعلق بوجوب احترام "برتوكول موسكو" بين بوتين وأردوغان، بعد ورود معلومات للكرملين، عن "نيّة النظام مواصلة العمليات العسكرية في إدلب، مدفوعاً بدعم وتشجيع من قبل أطراف عربية (الإمارات) وإقليمية (إيران)...استجابة الأسد لطلب "القيصر" جاءت فورية.
 
الثاني؛ قيام مؤسسات إعلامية وبحثية روسية بشن حملة انتقادات لاذعة للأسد، واتهام النظام بالغرق في الفساد وسوء الإدارة، وعجزه عن قيادة "مرحلة السلم وإعادة الإعمار"...صحف ووسائل بحث وإعلام مملوكة للملياردير الروسي يفغيني بريغوجين، الشهير بـ"طباخ بوتين"، استخدمت أكثر العبارات فجاجة، في نقد النظام، والعائلة الحاكمة، مستنتجة – وهذا هو الأهم– أن الشعب السوري لن ينتخب الأسد في المرة القادمة، وهي خلاصة ذات مغزى تصدر عن "عراب فاغنر"، على مبعدة عام واحد من الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.
 
الثالث؛ اندلاع صراع علني بين أجنحة النظام السوري، هو الأخطر، منذ العام 1984 عندما انشق رفعت الأسد عن أخيه، مستغلاً فترة مرضه، قبل أن تتدخل موسكو لدعم الرئيس ضد شقيقه، الذي سيبعد منذ ذلك عن سوريا...الانشقاق هذه المرة، يحصل بين الجناح السياسي للنظام: "الرئيس وعائلته" من جهة، والجناح الاقتصادي الأهم للنظام منذ أزيد من عشرين عاماً، رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، وعائلته من جهة ثانية، وسط معلومات لم تتضح بعد، عن "دور روسي" في إذكاء هذا الصراع، سيما وأن "عائلة مخلوف" تتخذ من موسكو مقراْ شبه دائم لها، ولها في روسيا استثمارات مالية كبرى.
 
تزامنت هذه التطورات المتسارعة والدرامية، مع تقارير أخرى، تتحدث عن مشاورات تجريها موسكو على مسارات متعددة، منفتحة على خيار "دمج مساري أستانا وجنيف"، بهدف حلحلة العقد التي تعترض طريق الحل السياسي في سوريا، وأهمها اثنتان: مصير الأسد ومستقبل الوجود الإيراني في سوريا.
 
سوريا وإيران...وإسرائيل ثالثتهما.
تزامنت هذه التطورات، مع تسريب مصادر أمنية إسرائيلية معلومات عن بدء انسحاب وحدات من الحرس الثوري من سوريا، الأمر الذي أدرجته طهران في عداد "حرب نفسية" تشنها تل أبيب عليها بموازاة عملياتها العسكرية التي لا تتوقف ضد الوجود الإيراني (والحليف) على امتداد الأرض السورية وصولاً إلى الداخل العراقي في بعض الأحيان، وغالباً من فوق الأجواء اللبنانية.
 
إسرائيل تعوّل على "الدعم الأمريكي المطلق" لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وتراهن على "التفهم الروسي المتزايد" لتقليص هذا الوجود، إن تعذر إنهاؤه، والأهم من كل هذا وذاك، أنها تبني حساباتها على حالة الضعف والإنهاك المالي والاقتصادي الذي تعانيه طهران، في ظل العقوبات الأمريكية المشددة، وانهيار أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا التي ضربت أيران بقسوة شديدة، فضلاً عمّا أوردته تقارير استخبارية تحدثت عن "فراغ قيادي" يعاني منه الحرس الثوري بعد اغتيال قاسم سليماني بغارة أمريكية على مطار بغداد في الثالث من يناير الفائت، بدلالة قيام الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني بزيارة لبغداد سعياً لتوحيد "البيت الشيعي"، وقيام جواد ظريف بزيارة مفاجئة لدمشق (20 أبريل الماضي)، لتجديد الحضور الإيراني أملاً في درء محاولات "تغييبه" كما تجلت في مسار سوتشي – موسكو الذي انفرد به شريكاها في مسار أستانا: روسيا وتركيا...وهي المهام التي اعتاد سليماني على القيام بها، ويبدو أن خلفه إسماعيل قاآني غير قادر على القيام على مواصلتها بالكفاءة ذاتها، أقله في هذه المرحلة.
 
حتى الآن، يصعب الحصول على تأكيدات من مصادر محايدة حول صدقية التسريبات الإسرائيلية، ويجب أخذ هذه المعطيات بحذر شديد، سيما إن أخذنا بنظر الاعتبار، كثافة الاستثمار الإيراني في سوريا، في السنوات والعقود الأخيرة، ولكون سوريا من منظور طهران الاستراتيجي هي "واسطة العقد" في مسبحة نفوذها الإقليمي، التي إن انتزعت من مكانها، ستنفرط حبات المسبحة وتتناثر.
 
كورونا: الفرصة الكامنة في قلب التحدي
يُجمع المراقبون على ان جائحة كورونا قد ألقت بأعباء ثقيلة على الاقتصادات المنهكة أصلاً، للأطراف المتورطة في الأزمة السورية...روسيا التي تعاني ذيول العقوبات الأمريكية وتداعيات حرب أسعار النفط السعودية، جاءتها الجائحة في توقيت غير ملائم أبداً، وهي وإن حاذرت من قبل الانزلاق إلى "مستنقع عسكري أفغاني" في سوريا، فإنها اليوم، شديدة الحذر من مغبة الغوص في "مستنقع اقتصادي" مترتب على عزلة سوريا والعقوبات المفروضة عليها والمتطلبات الثقيلة لعمليات إعادة الإعمار وإعادة توطين ملايين اللاجئين والنازحين وتأهيلهم.
 
إيران تجابه وضعاً أشد صعوبة، فإلى جانب "الخانقة الاقتصادية"، ثمة اهتزاز لنفوذها في العراق ولبنان بفعل الانتفاضات الشعبية التي استهدفت من ضمن ما استهدفت، حلفاءها المحليين، المثقلين اليوم بأعباء اقتصادات منهارة ومجتمعات منقسمة وجماهير غاضبة ويائسة...فلا "البيت الشيعي" في العراق في وضع جيد، وإلا لما "رسا عطاء" التكليف الحكومي على مصطفى الكاظمي، ولا "الثنائي الشيعي" في لبنان، سيما حزب الله، في وضع يؤهله لمواصلة أدواره المحلية والإقليمية كالمعتاد.
 
تركيا وإن كانت في وضع أفضل نسبياً من إيران، إلا أن أزمتها الاقتصادية وتآكل عملتها الوطنية، كانا سابقين للجائحة، وتفاقما في ضوء تداعياتها الصحية والمالية والاقتصادية، وهي متورطة اليوم في معارك وحروب خارج حدودها (العراق، سوريا وليبيا)، فيما حزبها الحاكم يتآكل بفعل انقساماته المعلنة والكامنة، ما يجعلها أكثر جاهزية للانخراط في تسويات وحلول للأزمة السورية، تقلل من أعباء وكلف انتشارها العسكري القائم والمواجهات العسكرية المحتملة.
 
أما الولايات المتحدة، فقد ارتضت منذ سنوات، تسليم الملف السوري لروسيا، مبقية لنفسها ملفي "نفط الفرات" ومصير "الكيان الكردي"...زلزال كورونا ضرب الاقتصاد الأمريكي بأعلى تدرجات مقياس "ريختر" للكوارث والأوبئة، ومن المؤكد أن تسوية تراعي بعضاً من معاييرها وحسابات إسرائيل ستكون مقبولة لديها، ومنها: إضعاف نفوذ إيران في سوريا (أو إنهاؤه إن أمكن)، هنا تكمن مصلحة إسرائيل أولاً وقبل أي طرف آخر، ترتيب دستوري يحفظ لكرد سورياً بعضاً من حقوقهم الوطنية والمدنية وإدارتهم الذاتية، وإخراج الأسد من قصر الشعب إن أمكن، باعتبار أن تحقيقين الشرطين السابقين، يبدو متعذراً إن طال بقاؤه فيه.
 
روسيا في عجلة من أمرها، ليس بفعل الأسباب والعوامل الضاغطة التي سبق ذكرها فحسب، بل ولاقتراب الاستحقاق الرئاسي السوري في العام المقبل، الذي تقول بعض المعلومات، بأن موسكو ترغب في جعله مناسبة لاستحداث انعطافة أو اختراق نوعي" في مسار الأزمة السورية.
 
عوائق على طريق الحل:
إن توفر هذه "الشروط الموضوعية" للحل السياسي للأزمة السورية، لا يعني أن الطريق بات معبداً أمامه...فثمة عوائق وعقبات، قد تعرقل هذا الحل وتعيد جدولة رزنامته الزمنية، بل وقد تطيح به إن هبت الرياح بغير ما تشتهي سفنه.
 
إيران ستقاوم محاولات إخراجها عن الحلبة السورية، حتى وإن كانت في حالة ضعف وبلا أدوات فاعلة كما كانت عليه من قبل...وجود الجماعات الإرهابية الكثيف في الشمال الغربي بخاصة، من دون أن ننسى سيناريو "عودة داعش" الذي يطل برأسه من جديد...صحيح أننا سنرى محاولات لإعادة تأهيل النصرة، بما فيها فتح "معبر تجاري" بين مناطق سيطرتها (معرة النعسان) ومناطق سيطرة النظام في ريف إدلب الجنوبي (مينزناز)، وصحيح أنها "سهّلت" مؤخراً مهمة تسيير دوريات تركية – روسية مشتركة بعد رفع العوائق وفض "اعتصام النيرب"...لكن الصحيح كذلك، أنها ما زالت منظمة إرهابية، يصعب إدماجها في مسار حل سياسي، أقله في مدى زمني قصير، برغم سابقة "طالبان في أفغانستان".
 
ومن بين العوائق أيضاً، تلك المتصلة بالفجوة القائمة بين القامشلي ودمشق، فلا أكراد سوريا بوارد "خفض سقوف" مطالبهم المرتفعة حتى الآن، ولا النظام مستعد حتى الآن كذلك، للارتقاء بأرضية موقفه التفاوضي مع أكراد بلاده...أما المعارضة، الطرف الثاني في معادلة الحل السياسي، فهي في أسوأ أحوالها، بعد تفاقم الصراعات بين مرجعياتها الممتدة من أنقرة إلى الرياض مروراً بأبوظبي والدوحة والقاهرة، فضلاً عن كونها باتت في تكوينها الميداني أقرب لمليشيات المرتزقة المستعدة للقتال حيثما تريدها المخابرات التركية، من شرق الفرات إلى غرب ليبيا.
 
فرص الحل السياسي لسوريا وشروطه الموضوعية تكاد تنضج، بيد أن طريقه ما زال مزروعاً بالألغام، والشروط الذاتية للأطراف لم تكتمل بعد، وإن كان تحدي كورونا، ينطوي على فرصة نادرة، لاستيلاد هذا الحل وتعميمه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يعظّم تحدي كورونا فرص الحل السياسي في سوريا هل يعظّم تحدي كورونا فرص الحل السياسي في سوريا



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 15:04 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي "شمس وقمر"
المغرب اليوم - شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

النفط الإيراني يسجل أعلى مستوى أسعار للصين في 5 سنوات

GMT 08:54 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

البيتكوين تسجل مستوى غير مسبوق وتتجاوز مستويات 75 ألف دولار

GMT 00:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إيرادات مصر ترتفع 45% بالربع الأول من العام المالي

GMT 00:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أمريكا تمر بعجر تجاري يتسع بشكل حاد في سبتمبر

GMT 08:34 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولار يرتفع وسط تقارير عن تقدم ترامب في انتخابات أميركا

GMT 21:20 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع

GMT 23:55 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

"وول ستريت" ترتفع مع إدلاء الناخبين الأميركيين بأصواتهم

GMT 08:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الذهب يهبط مع ترقب المستثمرين نتيجة الانتخابات الأميركية

GMT 05:44 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الصين تقفز 12.7% ‏
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib