أنسنة العولمة ودمقرطتها

"أنسنة" العولمة و"دمقرطتها"

المغرب اليوم -

أنسنة العولمة ودمقرطتها

بقلم - عريب الرنتاوي

العولمة ليست "اختياراً"، بل هي مسار إجباري تجد البشرية نفسها سائرة على دروبه، إن بفعل التحديات والمهام التي تجبهها كونها تتشاطر الكوكب ذاته، أو سعياً منها لتفادي "الانتحار الجماعي" بعد أن توفرت لها القدرة على "الإفناء الذاتي"، أو رغبة منها في تعظيم المكاسب وجني الأرباح بفعل "التقسيم العالمي للعمل"....بهذا المعنى يمكن الحديث عن العولمة بوصفها "ضرورة" يتعين وعيها وإدراكها ابتداءً، لضمان "ترشيدها" و"حوكمتها" أو قل "أنسنتها" إن جاز التعبير.
 
والعولمة بهذا المعنى، ليست حالة طارئة ألمّت بالبشرية في السنوات والعقود الأخيرة، أي منذ أن تحول العالم بأسره إلى "قرية صغيرة"، بل هي تتويج لمسار تاريخي، انخرطت فيه البشرية بكثافة وتدرج، قبل طريق الحرير وبعد، وقبل الكشوفات الجغرافية وبعدها، فما من أمة مهما عظمت، وما من امبراطورية مهما ترامت أطرافها، قادرة على تلبية احتياجاتها المتنامية من داخل حدودها المغلقة.
 
تجد العولمة مبررها في ندرة الموارد (على عظمها) مقابل "لا محدودية" حاجات البشر واحتياجاتهم، المتجددة دوماً....هنا تتجلى وظيفة "التقسيم العالمي للعمل"، دول تتوفر على المواد الخام وأخرى تحتاجها....دول تتوفر على الأيدي العاملة وأخرى تنقصها....دول سبقت غيرها في انتاج المعرفة والتكنولوجيا، وأخرى ما زالت تبحث عنها....لا دولة في العالم تتوفر على كل ما تحتاجه، لأن حاجاتها ببساطة ليست معرّفة، ولا محدودة، بل يمكن القول بـ"لا نهائيتها".
 
تستطيع "النزعات الوطنية، الانكفائية، الانعزالية" أن تحدث اضطراباً في مسارات العولمة ووجهة تطورها، بيد أنها لا تستطيع وقفها ولن تستطيع....ذلك مخالف لقواعد تطور المجتمع الإنساني العالمي....وتستطيع الرأسمالية النهمة والجشعة أن تفرض سيطرتها على اتجاهات تطور العولمة، وأن تحيل "قريتها الصغيرة" إلى سوق مُحتَكرة لحفنة من الشركات العابرة للحدود والقارات، ولكن تعاقب موجات الثورات الصناعية والتكنولوجية، يفتح أفقاً باستمرار لإعادة تشكيل مراكز القوة الاقتصادية والمالية والتجارية، ونقل مراكز السيطرة والتحكم الاقتصادي والمالي، من عاصمة إلى أخرى، ومن قارة إلى أخرى.
 
والأصل، أن الأمم المتحدة، وما ينبق عنها أو على هامشها، من مؤسساته ومعاهدات دولية، هي "حكومة العالم"، بعد الحرب العالمية الثانية....هذه الوظيفة اختلت كثيراً، بل ولم تكن يوماً فعّالة كما ينبغي، فالميل للاحتكار والسيطرة وتقاسم النفوذ، حكم عملها منذ أن أعطي الخمس الدائمين حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، في إقرار عالمي نادر بتفوق هذه الأمم...."دمقرطة" النظام العالمي، إلى جانب "أنسنته" تبدو اليوم، مهمة أساسية على جدول اعمال التاريخ، إن أرادت البشرية تفادي المزيد من جولات الحروب المهلكة والمدمرة، وإن هي رغبت في الحفاظ على "امنا الأرض" من الاستخدام الجائر للثروات والمصادر الطبيعية...."دمقرطة العولمة وأنسنتها" هي الشرط اللازب لـ"عقلنة" نظام العلاقات الدولية، وتوطئة لا بد منها لخلق نظام عالمي جديد.
 
قبل جائحة كورونا، كانت العولمة تهتز على وقع الانقسامات والصراعات الدولية، وكانت تترنح بفعل صعود اليمين الشعبوي (العنصري في الغالب) مدعوماً بنزعات وطنية تأججت بفعل تنامي موجات الهجرة واللجوء....الجائحة ستعزز هذه النزعات الانغلاقية، سيما في ضوء ما اظهرته من "أنانية" في تصرف بعض الدول والحكومات....لكن لا الجائحة ولا صعود اليمين الغربي أو تيارات التطرف والغلو في الشرقية، كفيلة بوقف المياه عن الجريان في نهر العولمة، وعلى العرب بخاصة، العمل على توسيع "روافدهم" التي تصب في هذا النهر، بدل الاكتفاء بهجاء العولمة الجائرة والمتوحشة....عليهم الإسهام في تقديم نصيبهم من مشروع "أنسنة" العولمة و"دمقرطتها"، فهل هذا ممكن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنسنة العولمة ودمقرطتها أنسنة العولمة ودمقرطتها



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 13:11 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف تحديات البطولة المطلقة الأولى
المغرب اليوم - إيمان العاصي تكشف تحديات البطولة المطلقة الأولى

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib