بقلم : عريب الرنتاوي
تتعايش في الأردن، جملة من الأنظمة الانتخابية المختلفة والمتناقضة … فنحن على سبيل المثال، ننتخب برلماننا بنظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة/ الدائرة … وسننتخب مجالس محافظاتنا وفقا لقانون “اللامركزية” بنظام الصوت الواحد في الدوائر ذات المقعد الواحد، وصوتين للناخب الواحد في الدوائر متعددة المقاعد، ومهما بلغ عددها … وسنختار رؤساء المجالس المحلية من بين المترشحين أصحاب أعلى الأصوات، فيما سننتخب رؤساء المجالس البلدية بورقة منفصلة عن ورقة أعضاء المجلس … أما في نقاباتنا المهنية، فالنظام الأكثري يفعل فعله منذ زمن بعيد، محيداً أصوات من لم يحالفهم الحظ، ويحرمهم من التمثيل، حتى وإن كان الفارق بين قوائمهم الخاسرة وقوائم الفائزين الناجحة، بضعة أصوات، تعد على أصابع اليد الواحدة.
جملة من النظم النسبية والأكثرية، التصويت الفردي والجماعي، يجري العمل بها على نحو متزامن ومتواز، وبصورة مثيرة للفوضى وتتسبب باضطراب الفهم وإرباك القوى السياسية والاجتماعية التوّاقة للمشاركة، تحت خيمة قوانين حديثة وعصرية، والأهم مستقرة، وغير متبدلة ومتغيره بين دورة انتخابية وأخرى.
يتعين توحيد “النظم الانتخابية” التي يجري العمل بها لاختيار جميع هيئاتنا ومجالسنا وإداراتنا المنتخبة … وطالما أننا اخترنا “النسبية المفتوحة” لاختيار نواب الشعب، فلا بأس من اعتماد النظام ذاته، لاختيار القيادات الطلابية والنقابية ومجالس المحافظات والمجالس البلدين والمحلية … يجب أن نوحد النسق الانتخابي، حتى نستنهض الحياة السياسية والحزبية، ونطلق ديناميكيات جديدة في أوساطنا السياسية والحزبية والاجتماعية المختلفة.
خلال الأسابيع القليلة الفائتة، أتيح لي أن ألتقي بمئات المواطنين في جرش والمفرق وإربد والكرك ومأدبا، لمناقشة ما أطلقنا عليه، حزمة قوانين الإصلاح السياسي، وأصدقكم القول، أن ثمة حالة من “التيه” والضياع، تجتاح المواطن والنخب السياسية والاجتماعية في العاصمة والمحافظات على حد سواء… وأن ثمة مخاوف، من أن تفضي انتخابات “اللامركزية” إلى تعميق الشروخ والانقسامات الجهوية والحمائلية والعشائرية … وأن تمعن في تفتيت هويتنا الوطنية، وأن تفضي إلى مجالس محافظات، أشبه ما تكون بمجالس “اللويا جيركا” في أفغانستان … كلام سمعناه من متحدثين كثر، تناولوا بشكل خاص اختلاف النظم الانتخابية المعتمدة في بلادنا.
حتى الكوتا النسائية، لا يوجد أي استقرار “تشريعي” بشأنها، فهي في البرلمان، تعادل 12 بالمائة، وهي في المجالس المحلية والبلدية تصل إلى 25 بالمائة، وهي في “اللامركزية” تصل إلى 15 بالمائة … وليس هناك من يتطوع من الحكومة أو من المشرعين، للتقدم إلى الرأي العام، بشرح مقنع لأسباب اعتماد هذه “العتبات” المختلفة، للتمثيل النسائي في هذه المجالس … طبعاً لا كوتا نسائية في مجالس النقابات والاتحادات الطلابية وقيادات الأحزاب، من أسف.
والمؤسف حقاً، أن الذين يطالبون باعتماد “النسبية” في قوانين الانتخابات النيابية والبلدية و”اللامركزية” هم أنفسهم الذين يرفضونها في انتخابات النقابات المهنية، وبعضهم يرفضها في مجالس الطلبة واتحاداتهم … والذين يطالبون بالعودة إلى نظام الصوت الواحد، في الانتخابات البلدية والبرلمانية، هم أنفسهم الذي ينافحون ضد “النظام الأكثري” في النقابات المهنية … المواقف هنا، لا تنطلق من مبادئ عمومية، بل من حسابات أنانية ضيقة وآنية، لا تدفع بصلابة مشروع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي إلى الأمام.
في كل انتخابات، النيابية بخاصة، يجري “تفصيل” قانون انتخابي جديد، تارة بإضافة دائرة وهمية وأخرى باختراع قائمة وطنية شوهاء، وصولاً إلى القوائم النسبية الموزعة على 23 دائرة … قانون اللامركزية، يذهب في الاتجاه ذاته، يجري تفتيت المدن والمحافظات الكبرى، ويُعْمِل فيها “مشرط” الحسابات والهواجس السياسية والديموغرافية… تماماً مثلما جرى تفتيت المدن والمحافظات الكبرى في الانتخابات النيابية … يبدو أن بعضنا ما زال مسكوناً بهواجس “الإسلام السياسي” و”ديموغرافيا المنابت والأصول”، ومن يلاحظ الطبعات المتكررة من “مشروع نظام تقسيم الدوائر والمقاعد” في قانون “اللامركزية”، يدرك مغزى ومعنى ما أقول … ولا أحسب أننا سنستقر تشريعياً، أو أننا سننجز قوانين حديثة وعصرية للانتخاب، أي انتخاب، طالما أننا ما زالنا مسكونين بهذه الهواجس.
بعض المسؤولين والمشرعين وصناع القرار، ممين يكيلون المديح والثناء “أطراف الليل وآناء النهار” للورقة النقاشية السادسة المخصصة لسيادة القانون والدولة المدنية، دولة المواطنة المتساوية والتعددية، يكتفون بتدبيج القصائد والأشعار الركيكة في مديح “الحداثة”، لكنهم في واقع الحال، يتمترسون على الضفة الأخرى المناهضة بحزم، وعن سبق الترصد والإصرار، لكل المفاهيم والقيم والمبادئ التي انطوت عليها الورقة .