طريق طهران – موسكو

طريق طهران – موسكو

المغرب اليوم -

طريق طهران – موسكو

بقلم : عريب الرنتاوي

بين طهران وموسكو، لا يبدو أن الطريق سالكة وآمنة، ثمة مشاكل تأسست على الاتفاق الروسي – التركي، والذي قيل إن إيران طرفاً فيه، بيد أنها في واقع الحال وجدت نفسها في أضيق الزوايا، فلا هي قادرة على المقامرة بإغضاب “الحليف” الروسي، ولا هي قادرة على السير معه حتى نهاية الطريق، سيما وأن موسكو تتعرض بدورها لضغوط من أنقرة، التي تقف على الطرف الآخر للمواقف التي تتبناها طهران حيال الأزمة السورية.

في الاتفاق الذي جرى إبرامه بشأن شرق حلب، تجرعت إيران “سم” القبول بأحرار الشام وجيش الإسلام، وعدد آخر من التنظيمات المسلحة، ذات الخلفية “الإسلاموية” و”الجهادية”، وهي تنظيمات حليفة لأنقرة وتأتمر بأوامر مخابراتها، وهذه نجحت بدورها في فرض هذه الفصائل على الشريك الروسي كذلك … وفي الاتفاق ذاته، لم تستوعب إيران حتى الآن، فكرة النص على سحب المليشيات الشيعية، بمن فيها حزب الله من سوريا، وهي التي استثمرت فيه، ودفعت أبهظ الأثمان من أجل تعزيز دوره ونفوذه لا في لبنان وسوريا فحسب، بل وعلى مستوى الإقليم كذلك.

ثم أن طهران تتحسب لما يمكن أن تفضي إليه أية تسوية سياسية لسوريا، من المقرر أن تبدأ قريباً في الأستانة، وصولاً إلى جنيف، هنا نفتح قوسين لنذكر بأن أنقرة نجحت أيضاً في تثبيت تفاهماتها (تفاهمات جنيف) كمرجعية للحل السياسي، الأمر الذي لا ينسجم مع ارتفاع سقف التوقعات الإيرانية والسورية، في ضوء الاختراق النوعي على جبهة حلب… وإيران تدرك أن لروسيا حسابات “كونية” قد تتخطى حسابات ومصالح حلفائها الإقليميين، المشغوفين أساساً، بتثبيت دعائم النظام والإبقاء على رئيسه، وحسم المعركة مع مختلف هذه الفصائل التي تصنفها كل من دمشق وطهران والضاحية الجنوبية، بوصفها جماعات تكفيرية وإرهابية.

صحيح أننا نتحدث عن مظلة ثلاثية للاتفاق حلب الشرقية، والذي يقتضي تعميم الهدنة على كامل الأراضي السورية باستثناء داعش والنصرة والفصائل المتحالفة معها، والشروع في مفاوضات بين النظام والمعارضة وصولاً لحل سياسي شامل للأزمة السورية، تريده روسيا اليوم وليس غداً، وترى أنقرة إليه بوصفه بوابة لاستعادة أمنها المستباح واستقرارها المترنح … بيد أن الصحيح كذلك، إن “المكون الإيراني – السوري” في رزمة الاتفاقات والتفاهمات، يبدو المكون الأقل حظاً وتأثيراً، وهذا ما يتضح في سلوك إيران وحلفائها الميداني، والذي بات يزعج موسكو، ويستدعي اتخاذها مواقفها ربما تكون أكثر تشدداً.

قد يكون صحيحاً أن منطقة بردى غير مشمولة بالاتفاق، وأن بضع فصائل فيها ليست طرفاً في اتفاق التهدئة، لكن التصعيد العسكري الإيراني – السوري في تلك الجبهة، لا يمكن تفسيره فقط بـ “حرب المياه”، ولا يمكن إدراجه في سياق الرد على خروقات الفصائل الجهادية، فثمة توجه قصدي لدى دمشق وطهران وحلفائهما الأقرب من فصائل وميليشيات، للحسم العسكري في بضع مناطق “حيوية” ليس وادي بردى ومنابعه وعيونه، سوى واحدة منها، فهناك أيضاً مناطق الغوطة وريف دمشق الجنوبي، حيث ينطلق هذا المحور من أهمية استرداد هذه المناطق الحيوية من أيدي الفصائل، لتأمين العاصمة، وتسجيل هدف إستراتيجي آخر في ملعب المسلحين ورعاتهم وداعميهم.

نحن إذن، بصدد خلاف على الأولويات، حتى الآن لا يزال من النوع التكتيكي القابل للاحتواء، سيما إن أخذنا بنظر الاعتبار حاجة دمشق وطهران للحليف الروسي من جهة، وإدراك هذا الحليف من جهة ثانية، استحالة مضيه في مشروعه لسوريا والإقليم، من دون قدر عالٍ من التفاهم والتنسيق مع القوى الفاعلة على الأرض … روسيا فاعلة جداً في الجو والفضاء، بيد أن الحروب مع الجماعات الإرهابية والميليشيات، لا يمكن حسمها من السماء، وأن الأرض، والأرض وحدها، هي من سيحسم الحرب في نهاية المطاف.

سنشهد المزيد من هذه التناقضات في المرحلة القادمة، وقد نشهد في مراحل لاحقة على تفاقم استعصاءات من النوع غير القابل للحل، وقد يعاد ترتيب خريطة المحاور والتحالفات بعد أن تتضح على نحو جلي، صورة الإرادة الأمريكية الجديدة واولوياتها وتحالفاتها، لكن من الآن وحتى إشعار آخر، ليست من مصلحة محور موسكو- طهران- دمشق، تفجير هذا التحالف، ولكن لن يكون من اليسير على أطرافه، أن تجد دائماً اعلى درجات التناغم والتواؤم.

المصدر: صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طريق طهران – موسكو طريق طهران – موسكو



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إيمانويل ماكرون يُشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه
المغرب اليوم - إيمانويل ماكرون يُشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib