الصحـافـة الورقـيــة تـطـفـــئ أنـــوارهــا

الصحـافـة الورقـيــة تـطـفـــئ أنـــوارهــا

المغرب اليوم -

الصحـافـة الورقـيــة تـطـفـــئ أنـــوارهــا

بقلم : عريب الرنتاوي

طوال سني حياتي في بيروت (1977-1982) اعتدت أن أبدأ صباحاتي بفنجان قهوة وصحيفتي السفير والنهار، ومع انتقالي للإقامة في دمشق إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام، واظبت على قراءة الصحيفتين اللتين كانتا تأتياننا بانتظام، وإن بتأخير يتراوح بين عدة ساعات ويوم كامل أحياناً، إلى أن انقطعت عنها إثر انتقالي للإقامة بقبرص عام 1988.

وستمتد القطيعة الإجبارية التي فرضها «الانقطاع الجغرافي» لأزيد من عشر سنوات، قبل أن أعود لمزاولة عادتي القديمة، ولكن عبر شبكة «التواصل الالكتروني»، التي حطمت قيود الرقابة وأزالت الحدود بين الدول والمجتمعات، وقصرت المسافة بين الكاتب والمتلقي، فكنت على موعد صباحي يومي مع الصحيفة منذ ذلك اليوم، وحتى أطفأ طلال سلمان رئيس تحريرها أضواء مكاتبه، وغادرها بصمت بعد عشريات أربع، ملأت فيها الصحيفة الأرض والفضاء اللبنانيين، وتردد صداها على العديد من دول المشرق والمغرب العربيين.

لقد اعتدت على احتجاب الصحيفة يوماً أو يومين لعيد وطني أو ديني، وفي لبنان ما أكثر أعياد المسلمين والمسيحيين، وما أكثر المناسبات التي تحتجب فيها الصحف عن الصدور، بخلاف الحال عندنا في الأردن، حيث لا تغيب الصحافة الورقية سوى مرتين في السنة، ولعدد من الأيام لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، ودائماً في عيدي الفطر والأضحى ... بيد أنني ومنذ ازيد من عشرين عاماً، لم أعتد على عدم تقليب تقارير السفير ومقالات كتابها لمدة أسبوع كامل ... أشعر بأن شيئاً ينقصني، أحسب أن «زاوية للنظر» إلى أحداث المنطقة وتطوراتها، قد أسدل عليها الستار، عندما أطفاء سلمان أنوار مكتبه للمرة الأخيرة.

السفير شأنها في ذلك شأن عشرات الصحف والمطبوعات الورقية التي تصدر في لبنان، دفعت أبهظ الأثمان جراء إخفاقها في المنافسة مع «الوسائط الإعلامية» الأخرى ... الإعلام المرئي والمسموع جفف إلى حد كبير، ينابيع «الإعلان» التي أدارت عجلة هذه الصناعة.... والإعلام الالكتروني ووسائط التواصل الاجتماعي، أجهزت على جيوش القراء الشغوفين بتقليب الصفحات، «المدمنين» على رائحة الحبر وحفيف أوراق الجريدة... عديد هذه الجيوش، تناقص سنوياً، وبتسارع ومن دون توقف.

ما من صحيفة تستطيع تغطية كلفتها من «مبيعاتها»، السفير والنهار كانتا تباعان بدينار أردني، بما يعادل أربعة أضعاف سعر الصحيفة في الأردن على سبيل المثال، وبهذا المعنى كانتا «الأعلى» لبنانياً وعربياً، مع أن عدد صفحات الواحدة منهما، لا تتعدى الأربع والعشرين صفحة، بخلاف الحال عندنا، حيث الصحف تصدر بعشرات الصفحات الموزعة على عدة أقسام وعدد من الملاحق.

تعثرت السفير مالياً وتوقفت مع أفول شمس اليوم الأخير من السنة المنصرمة، وقد تتبعها النهار إن لم تحدث المعجزة، وستواصل بقية الصحف الصدور طالما ظلت قنوات وشرايين «التمويل السياسي» متدفقة، لكن «المال السياسي» بدوره، بات شحيحاً في زمن تآكل أسعار النفط وارتفاع كلف حروب الأخوة الأعداء في المنطقة، واستنزافها للميزانيات والصناديق السيادية على حد سواء، وسيتعين علينا أن نتكيف عن «عالم بلا صحافة ورقية» خلال فترة قد تكون أسرع مما ظننا واعتقدنا.

حال صحافتنا الورقية في الأردن، من حال السفير والنهار في لبنان، وكثير من الزميلات في العالم العربي، فالصحافة الورقية مستمرة إما بقوة «المال السياسي»، أو ببركة «الدعم الحكومي»، وفي كلتا الحالتين، تواجه الصحيفة تحدي الحفاظ على استقلاليتها ومهنيتها، إذ ليست جميع الصحف السفير ولا كل رؤساء التحرير طلال سلمان، اللذين نجحا، برغم الاعتماد في مراحل مختلفة على «المال السياسي»، في مراعاة قدر كبير من المهنية والاستمتاع بهامش واسع من المناورة وحرية والحركة.

المصدر صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحـافـة الورقـيــة تـطـفـــئ أنـــوارهــا الصحـافـة الورقـيــة تـطـفـــئ أنـــوارهــا



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib