أصدقاء واشنطن لا يصغون إليها

أصدقاء واشنطن لا يصغون إليها

المغرب اليوم -

أصدقاء واشنطن لا يصغون إليها

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

يبدو أن الزمن الذي كانت فيه "رغبات واشنطن أوامر"، ينضبط لها أصدقاؤها وحلفاؤها، ويتحسب لها كثيراً، خصومها وأعداؤها، قد ولّى، أو هو في طريقه إلى ذلك... صفحة الهيمنة الأميركية على النظام العالمي، انقضت، ونظام "القطب الواحد" في هزيعه الأخير، والعالم يخوض غمار "تعددية قطبية" تتسم بقدر كبير من الفوضى واللايقين، إلى أن تتضح ملامح النظام العالمي الجديد.

تبدأ الحكاية من الضفة الأوروبية للأطلسي، حيث شهدت العلاقة بين شاطئيه، أكبر اهتزازة لها منذ الحرب العالمية الثانية، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي لم ينجح في إخفاء رغبته في تفكيك الاتحاد، وتشجيع بريطانيا على المضي قدماً في مشروع "بريكسيت"، ونال قادة "القارة العجوز" من لسانه الطويل الذي لا يهدأ عن "التغريد"، ما نالهم من أقذع الصفات، وأفضى ذلك كله إلى تآكل "مداميك" الثقة المتبادلة، قبل أن يأتي جو بايدن بخطاب جديد ومقاربة مختلفة.

لكن العام الأول على ولاية جو بايدن، لن ينقضي، قبل أن تتراجع الإدارة عن بعض من قواعد "مبدأ بايدن" في السياسة الخارجية: احترام التعددية وتعميق الشراكة عبر الأطلسي... أفغانستان والانسحاب الأميركي المتسرع والمنفرد، كان الشرارة الأولى التي دفعت بالأوروبيين لإبداء الحذر من مقاربة سيد البيض الجديد، حتى أن وزير خارجية فرنسا، لم يتورع عن اتهامه بالسير على خطى سلفه، متهماً إياه بالضرب عرض الحائط مصالح شركائه ومواقفهم... وفي صفقة الغواصات النووية مع استراليا بدا أن بايدن يعطي الأولوية لبريطانيا في علاقاته العابرة للأطلسي، على حساب الاتحاد الأوروبي، وجاء تحالف "أوكوس"، ليكرس نهجاً ترامبياً من دون ترامب، وليلقي بظلال كثيفة على العلاقات بين شركاء الحرب الباردة.

كثيرة هي الملفات العالقة بين أوروبا والولايات المتحدة، من "غازبروم" والعلاقة مع الصين، وصولاً إلى المنافسة المحتدمة على أسواق السلاح، فضلاَ عن بعض أزمات العالم المفتوحة... ما حدا بدول الاتحاد، وبالذات فرنسا وألمانيا، لإحياء مشاريع قديمة-جديدة عن "الجيش الأوروبي" والسياسة الأمنية والدفاعية الأوروبية... التطمينات المتبادلة بأن خطوات كهذه لن تكون بديلاً عن "الناتو" أو على حسابه، لا تكفي لحجب الخلافات الكامنة تحت السطح.

في الإقليم، ليس صدفة أن أقرب حلفاء واشنطن إلى قلبها وعقلها ومصالحها: إسرائيل، تقيم أوثق العلاقات مع ألد خصوم واشنطن ومنافسيها: الصين... حتى أن الخلاف بشأن العلاقة الإسرائيلية – الصينية، بات اليوم، أحد ثلاث قضايا خلاف جوهرية بين إدارة بايدن وحكومة بينيت، إلى جانب إيران والمسألة الفلسطينية... الصين تدخل بقوة إلى قطاعات اقتصادية حساسة، وإسرائيل تعمل على تطوير "لوبي صهيوني" في الصين، ظناً منها أن المستقبل يعمل لصالحها، تماماً مثلما فعلت قبل مئة عام، حين شرعت في نقل مركز ثقل "اللوبي" من أوروبا إلى الولايات المتحدة الصاعدة كقوة رائدة في العالم. 

تركيا كانت سبّاقة لكسر سياسة "الإملاءات الأميركية"، صفقة صواريخ "إس 400" أكبر دليل على فشل إدارتين تعاقبتا على البيت الأبيض، في إرغام إردوغان على التراجع عنها... أنقرة لم تليين موقفها من كرد سوريا برغم الضغوط الأميركية الهائلة، وقضايا الخلاف بين واشنطن وحكم العدالة والتنمية، لا حصر لها.
إثيوبيا التي كان لواشنطن دوراً "ملهماً" في منح رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام، تعجز الأخيرة اليوم عن دفع آبي أحمد للجنوح لخيار السلم والتفاوض والتسويات مع مصر والسودان حول سد النهضة، ويقف الموفد الأميركي المخضرم جيفري فيلتمان عاجزاً عن منع انزلاق هذا البلد الكبير نحو حرب أهلية قد لا تنتهي بتقسيمها، فيما الصين تعزز قواعد نفوذها في هذه البقعة الاستراتيجية المطلة على القرن الأفريقي.
إيران، الدولة "العدوة" لواشنطن منذ أزيد من أربعة عقود، تجد نفسها اليوم أكثر ثقة بالنفس في صراعها متعدد المجالات مع واشنطن، لديها قواعد إسناد في موسكو وبكين، ولديها أفق مفتوح مع الهند والباكستان ومعاهدة شنغهاي، وعلاقاتها الناشئة مع الضفة الأخرى من الخليج العربي تسهم في تفكيك أطواق عزلتها، وهي تذهب إلى فيينا وبين يديها أوراق عديدة كذلك.

الدول العربية التي استمرأت تاريخياً، علاقة "الاستتباع" للولايات المتحدة، مسّها شيء من الرغبة في التمرد... ولي العهد السعودي يشق طريقاً التفافيا نحو طهران عبر القناة البغدادية، وهو تحدث عن الولايات المتحدة بوصفها واحدة من القوى العظمى، وليست القوة المهيمنة... وتوعد بتنويع علاقات وتحالفات وأسواق بلاده مع المراكز العالمية الناشئة، وهي يقبض على سقوف الإنتاج والأسعار في سوق النفط والطاقة، غير آبه بمواقف سيد البيت الأبيض وتهديده ووعيده... هوامش المناورة أمام المملكة تتسع، وهي لا تشعر بأن مبتدأ جملتها السياسية وخبرها، يجب أن ينحصرا بالتسبيح بحمد الولايات المتحدة.

الإمارات العربية المتحدة، القوة الثانية في الخليج، ورائدة مسار "إبراهام" واتفاقاته التطبيعية، وأول دولة عربية ستحصل على طائرات إف 35 الأميركية المتطورة، تشق "طريق حرير" خاصٍ بها، يمر بإيران، الدولة المزعزعة للاستقرار كما في الخطاب الأميركي، ولا ينتهي في تركيا، الدولة التي تتسبب للبيت الأبيض بكثير من الصداع... علاقات تجارية مزدهرة ومتشعبة، وعلاقات تعاون أمني وسياسي من تحت الطاولة، لا تخفى مراميها على أحد، وهي لا تمانع "مناكفة" واشنطن في أثيوبيا بدعمها لآبي أحمد، أو في ليبيا وسوريا وغيرها من ملفات المنطقة.
موفدو واشنطن إلى القرن الأفريقي وإيران وفلسطين والعراق وبقية دول المنطقة، يجوبون المنطقة جيئة وذهاباً، من دون أن ينجحوا في تسجيل أي اختراق يذكر على أي من جبهات التوتر المذكورة... حتى بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان، عجزت واشنطن من خلف باريس، عن زحزحة أحزاب طوائف وحارات وميليشيات عن مواقفهم المتعنتة التي أدت بهذا البلد إلى الانهيار... وفي السودان، لم يكن الوضع أفضل مع ثنائي العسكر: البرهان وحميدتي.

لم تعد لواشنطن "الهيبة" التي كانت لها زمن "القطبين"، وبالذات في زمن "القطب الواحد"، ومع تآكل "الهيبة" تتآكل "الهيمنة" على الساحة الدولية وساحات الإقليم، وحلفاء واشنطن وأصدقاؤها ما عادوا يصغون لها كما كانوا يفعلون من قبل، ودول الإقليم تبحث عن خيارات وبدائل وتحالفات جديدة، فيما بينها ومع بعض الأقطاب الدولية الناشئة استعداداً لملء الفراغ الأميركي، وتعويضاَ عن انصراف الجهد والموارد الأميركية صوب المحيطين": الهادي والهندي.

لكن ذلك، لن يمنع أبداً من الاعتراف، بأن الولايات المتحدة، ستظل حتى إشعار آخر، لاعباً دولياً وإقليمياً مهماً، بل واللاعب الأول على المسرحين العالمي والإقليمي... ما تغير هو أن واشنطن، لم تعد لاعباً أوحداً أو لاعباً مهيمناً، وقيادتها للعالم والإقليم، بدأت تواجه تحديات، يختلف المراقبون والمحللون في تقدير قدرة واشنطن على مواجهتها والتعامل معها.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصدقاء واشنطن لا يصغون إليها أصدقاء واشنطن لا يصغون إليها



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 15:47 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل
المغرب اليوم - منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل

GMT 16:06 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منتجات لم يشفع لها الذكاء الاصطناعي في 2024

GMT 08:33 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الطقس و الحالة الجوية في تيفلت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib