بقلم : عريب الرنتاوي
من أنقرة، يعلن وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، أن "مستقبل الأسد على المدى البعيد – لاحظوا المدى البعيد – يقرره الشعب السوري" ... ومن نيويورك تتحدث مندوبة واشنطن في مجلس الأمن، نيكي هالي أن أولوية بلادها في سوريا ليست إسقاط الأسد، وإنما قتال داعش، من دون أن تغفل عن التذكير بأولوية ثانية، هي إخراج إيران وميليشياتها من سوريا على حد تعبيرها.
وفي طهران، يكتب رئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية والسياسية في وزارة الخارجية الإيراني، مصطفى زهراني، في موقع «الدبلوماسية الإيرانية» المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية أن الرئيس السوري، بشار الأسد، يتجه إلى موسكو، وأنه بدأ يدير ظهره لطهران، مشدداً على وضع الاستراتيجية اللازمة للخروج من معضلة سوريا، وموضحاً أن الروس لديهم خطط وسياسة دقيقة لكيفية خروجهم من سوريا بحيث يحافظوا على مصالحهم الاستراتيجية هناك، لكن طهران ليست لديها استراتيجية واضحة لذلك، وأن خروجها من سوريا أصبح معضلة كبيرة دون أفق معين للحفاظ على مصالح إيران الاستراتيجية في سوريا.
ومن أنقرة، يعلن بنعلي يلدريم، آخر رئيس وزراء لتركيا، أن عملية "درع الفرات" قد انتهت بعد أن استكملت أهدافها، في تصريح مفاجئ يعبر عن حدود المسموح لتركيا والممنوع عليها أن تفعله في سوريا، ودائماً بفعل الخطوط الحمراء التي تضعها موسكو وواشنطن، ليس عبر "الوكلاء" و"الحلفاء" هذه المرة، بل من خلال الوجود المباشر لقوات العملاقين، على الأرض مباشرة، لكن قصة تركيا في سوريا، لم تنته بعد، وتقلبات أنقرها وتبدلاتها واستداراتها، لم تتوقف كذلك.
وفي تل أبيب، تكشف صحيفة "معاريف" عن أن إسرائيل نقلت رسائل للنظام السوري عبر طرف ثالث، تعرب من خلالها عن الاستعداد للحد من تدخلها في سورية، على شكل غارات متقطعة من حين لآخر، مقابل تفاهمات تضمن منع نشر وتكريس وجود إيراني، أو تواجد لقوات تابعة لـ"حزب الله" ولمليشيات شيعية، على مقربة من حدود وقف إطلاق النار، جنوبي الجولان. وبحسب الصحيفة، فإن إسرائيل أبدت استعدادها للقبول بعودة قوات النظام السوري إلى مناطق جنوب الجولان، وفق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار بعد حرب عام 1973.
وفي نتانيا، تحدث رئيس "الموساد" الإسرائيلي، يوسي كوهين، ورئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوت، خلال مؤتمر خاص عقد الأسبوع الماضي إحياء لذكرى رئيس الموساد السابق مئير داغان، عن أن إسرائيل لن تسمح بتدخل أو وجود إيراني في الأراضي السورية، واعتبر كل من أيزنكوت وكوهين أن هذا الخطر يشكل أحد أهم التحديات الأمنية لإسرائيل، وهو خطر يفوق مسألة تهريب أو نقل أسلحة كاسرة للتوازن إلى لبنان.
في جنيف، حيث تستكمل أعمال "جنيف 5"، يبدو أن نصر الحريري وكبير مفاوضيه محمد صبرا، وحدهما في حالة إنكار، بل في حالة غيبوبة عن كل ما يجري حولهم من تطورات وتبدلات في المواقف والمواقف، خطابهم يعود للعام 2013 على أقل تقدير، وعزفهم على وتر "ترحيل الأسد" يبدو "ناشزاً" للغاية، سيما إذا إخذنا بنظر الاعتبار، أن التفاوض الحقيقي حول سوريا، يدور في سوريا وعلى أرضها، حيث تجري أوسع عملية "تقاسم نفوذ" بين مختلف "اللاعبين الكبار"، من موسكو وواشنطن، إلى تركيا وإيران وإسرائيل.
المفاوضات السورية – السورية في جنيف لم تتوقف، والأرجح أنها ستستأنف في جولات قادمة، بانتظار "تظهير" النتائج الحقيقية للمفاوضات الحقيقية التي تجري في خفاء، خلف الكواليس والأبواب المغلقة، فتترك "تقاسماً" فعلياً للنفوذ في سوريا، من دون تقسيمها رسمياً، ولتضع السوريين سلطة ومعارضة (ثورة) وجهاً لوجه أما الحقائق الجديدة.... على الأرض، تتمدد سوريا على الطاولة، التي يتحلق حولها اللاعبون الكبار، وفي جنيف يجلس السوريون حول المائدة، يتبادلون الاتهامات والتهديدات والثرثرة غير المسلية لأحد.
النظام ما زال مزهواً بانتصاراته في حلب وإدلب، وحلفاؤه ما زالوا مزهوين بانتصار "المقاومة والممانعة"، مع أن ما يجري على الأرض، هو إعادة صياغة شاملة لموقع سوريا ودورها، وربما بقبول ضمني من النظام أو بعض اجنحته، والذي يقول مصطفى زهراني، كما كثيرون غيره، أنه آخذ يدير ظهره لطهران ويتجه صوب موسكو، أما البوصلة الناظمة لحركته، فهي بقاءه في السلطة بأي ثمن.
أما المعارضة (الثورة) على الضفة الأخرى، فما زالت تبشر بـ "خطاب الثورة"، "ثورة الشعب السوري"، سوريا تضيع، فيما ثورتها باقية، وأكثر من نصف الشعب السوري نازح في بلده ولاجئ موزع على أربع أرجاء العالم، فيما هو مستمر في ثورته بلا هوادة أو لين على وفقاً لفرسان المعارضة... أية بلاهة هذه