المبادرة الأممية لليمن

المبادرة الأممية لليمن

المغرب اليوم -

المبادرة الأممية لليمن

بقلم : عريب الرنتاوي

تُحيل مبادرة إسماعيل ولد الشيخ اليمنية، عبد ربه منصور هادي، من “رئيس شرعي” للبلاد، إلى “رئيس شرفي” مؤقت على الأرجح، إذ نصت على قيامه بتفويض صلاحياته إلى نائب رئيس توافقي، يقوم بدوره بتشكيل حكومة “مناصفة” بين “الشرعية” و”الانقلابيين” … في هذه الأثناء، يكون نائب الرئيس الحالي اللواء علي محسن الأحمر، قد غادر المسرح السياسي، بعد أن خيّب آمال كثيرين، بقدرته “المتفردة” على تأليب العشائر والمناصرين ضد تحالف الحوثي – صالح، وظهر بعد عدة أشهر من تعيينه المفاجئ والمخيب للآمال في منصبه، بمظهر “الأسد الهرم”، منزوع الأنياب والمخالب.

لهذا السبب بالذات، أبدى الرئيس “الشرعي” رفضه للمبادرة، بل ورفضه تسلم نصها من الموفد الأممي، في تعبير “أقصوي” عن الرفض والاستياء، وشعور بـ “الخذلان” و”الخيانة” من قبل الشرعية الدولية والحلفاء على حد سواء … وفي تعبير عن الإحساس بالعزلة، وربما باقتراب النهاية السياسية … لا شك أن هادي بات يدرك، أنه سيكون أولى ضحايا (كبش فداء) لمساعي البحث عن حل سياسي للأزمة اليمنية.

والحقيقة أن ثمة مؤشرات عديدة صدرت بهذا الشأن، ومن مصادر مواكبة للمفاوضات المعلنة وغير المعلنة التي تدور حول اليمن، من هذه المؤشرات، عدم الارتياح الغربي لاستطالة أمد الحرب وارتفاع كلفتها البشرية (المدنيين بخاصة)، وما يتردد بشأنها من أنباء واتهامات حول “مقارفة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” … ومنها أيضاً، أن هناك عدم ارتياح لأداء الرئيس وصحبه، الذين آثروا الاستقرار المريح في المنفى السعودي على تجشم عناء الانتقال إلى أرض اليمن “المحررة” لإدارة معارك السياسة والميدان من هناك … ومن هذه المؤشرات، فشل محاولات ربط تحالف الحوثي – صالح بمحور الشر الإيراني، في تبديل مواقف وقناعات عواصم غربية عديدة، تقف واشنطن في صدارتها.

يدرك الرئيس هادي، أن ولد الشيخ، ما كان ليتقدم بمبادرته تلك، إلا بعد التأكد من أنها تعبر عن حصيلة توافقات داخل “الرباعية” الخاصة باليمن، والموفد الأممي نفسه، ظهر قبل أيام فقط، في “صور تذكارية” بين وزيري خارجية لندن وواشنطن … والمبادرة ذاتها، جاءت بعد اجتماعات مكثفة لهذه الرباعية، وبمشاركة سعودية وإماراتية … مغزى الكلام، أن ولد الشيخ عبّر إلى حد كبير، عن تفاهمات الرباعية، وبالأخص عن “الإملاءات الانجلوساكسونية” في إطارها.

قبيل آخر هدنة في الحرب اليمنية، وفي تصريح نادر لوزير الخارجية الأمريكية قال: إنه يحترم مكانة وصفة الرئيس اليمني، لكنه مع ذلك، يطلب إليه الالتزام بالهدنة من دون قيد أو شرط … الرسالة واضحة تماماً، وهي تستكمل مساعي بذلها جون كيري نفسه، للبحث عن “مخرج مشرف” للرئيس اليمني “الشرعي”، كمدخل للبحث عن مخرج مشرف آخر، للتحالف العربي من مستنقع الحرب اليمنية الضروس، التي تبدو أبعد ما تكون عن خواتيمها، برغم الاختلال المروّع في موازين القوى العسكرية لصالح التحالف وحلفائه اليمنيين.

حرب الأسابيع الثلاثة تكاد تكمل شهرها العشرين، من دون أي اختراق يذكر، بل أنها في أشهرها الأخيرة، خرجت عن حدود الجغرافيا اليمنية، وباتت شظاياها تطاول العمق السعودي …. أما الإمارات، الشريك الثاني في التحالف العربي، فقد أعلنت قبل عدة أشهر، أن حربها في اليمن قد وضعت أوزارها، وأن أولى أولوياتها اليمنية، هي تثبيت الوضع في جنوب اليمن، قبل أن تعود وتدخل بعد التوضيحات على موقفها ذاك، لتفادي التأزم في علاقاتها مع جارتها وحليفتها القوية: الرياض.

حجة الرئيس اليمني القوية، في تبرير رفضه للمبادرة الأممية، تستند إلى عدم انسجامها مع نص وروح القرار الدولي 2216، الذي صدر في بداية “حرب الأسابيع الثلاثة” وعبّر في حينه عن كامل وجهة النظر السعودية … أما وأن الحرب قد طالت واستطالت، فإن من الطبيعي أن يفقد القرار المذكور صلاحيته في أن يكون أساس التسوية السياسية وإطارها … وأن تبدأ الأطراف البحث عن تفاهمات جديدة، ستحل حتماً محل القرار المذكور، فالتسويات في مضمونها، تتقرر وفقاً للوقائع الميدانية، وليس لنصوص القرارات الدولية، حتى وإن صدرت بالإجماع، وتحت الفصل السابع.

لا حل أمنياً للمشكلة اليمنية، والأفكار التي يطرحها فريق “الشرعية” تكاد تبدأ وتنتهي بالمعالجات الأمنية: تسليم السلاح والانسحاب من المدن، ومن ثم الحوار للوصول إلى تسوية …. هذا لن يحدث، قلنا ذلك مع صدور القرار 2216، غير المتوازن، وكررناه مراراً وتكراراً في سياق تطور الأزمة اليمنية، فالقبول بهذا المدخل، لا يعني شيئاً سوى “الانتحار السياسي” لفريق الحوثي – صالح، أو رفع الرايات البيضاء، وليس ثمة على الأرض ما يدفع هذا الفريق، لفعل ذلك على الإطلاق … استطالة أمد الحرب، جعلت منها مشكلة للقوى التي أشعلتها وتخوضها من البر والبحر والجو، وهذه القوى، هي من يبحث اليوم عن “مخرج مشرف”، لها ولحلفائها المحليين، وليس الفريق الآخر.

إن كان الحل السياسي لليمن، هو وحده الحل الممكن والمطلوب، فيتعين البدء بخطوات سياسية، تؤسس لبناء الثقة، وتمهد الطريق لمعالجة ملف الانسحاب والسلاح وغيرها …. وفي ظني أن ما قدمه ولد الشيخ مؤخراً، يمكن أن يصلح مدخلاً متوازناً لهذا الحل، برغم اعتراضات الطرفين على المبادرة الأممية … لكن فرص النجاح هذه المرة، تعتمد إلى حد كبير، على قدرة الأفرقاء الدوليين على ممارسة ضغوط على حلفائهم الإقليميين، ولهذا السبب يبدو إشراك روسيا وإيران في مساعي الحل، أمراً مطلوباً، تماماً كما هو الحال بالنسبة للازمة السورية، والمأمول هذه المرة، ألا تتأخر واشنطن في إدراك أهمية هذه المشاركة، كما تأخرت في سوريا، لأن سيف الوقت، قاطع وبتَار، وهو يزهق يومياً أرواح يمنيين أبرياء كثر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة الأممية لليمن المبادرة الأممية لليمن



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib