بقلم - عريب الرنتاوي
جملة قوانين وتشريعات لا بد من مراجعتها، أو الوقوف على تطبيقاتها الفعلية، حتى تكتمل محتويات «السلة السياسية» لحكومة الدكتور عمر الرزاز، من أهمها ثلاثة:
أولاً: قانون الاجتماعات العامة لعام 2011، لا غبار عليه، بيد أنه في التطبيق العملي، بات نسياً منسياً، وأخطر ما في الأمر، أن انتهاك القانون، والخروج على مضامينه ومراميه، يكاد يأتي حصراً من قبل بعض مؤسسات الدولة، وليس من «المستهدفين» به.
في العام 2011، وفي غمرة الخطوات الإصلاحية «التقدمية» التي طرأت على الإطار الدستوري والتشريعي الناظم للعمل الوطني العام، جرى تعديل القانون النافذ في حينه، وبات تنظيم نشاط لأي مؤسسة مجتمع مدني أو حزب سياسي (خارج مقره)، لا يحتاج سوى لـ»علم وخبر»، وقبل 48 ساعة فقط من موعد إتمام النشاط، لكن الأحوال بعد 2013، تبدلت، و»عادت ريما إلى عاداتها القديمة»، وتحول «العلم والخبر» إلى «موافقة أمنية»، يتطلب الحصول عليها تقديم «استدعاء» قبل أسبوعين أو أكثر من موعد النشاط، مشفوعاً بقوائم المتحدثين والمدربين والمشاركين وجدول الأعمال، وبصور عن جوازات سفر المشاركين في الخارج.
ولأن الحصول على موافقة خطية من المحافظ، غير ممكن لمخالفته الصريحة للقانون، فإن المؤسسات، عادة ما تتبلغ بـ»قرار الرفض» من قبل إدارات الفنادق، وفي اللحظة الأخيرة، وتدخل المؤسسة في سجال لا ينقطع حول «جواز» الحصول على موافقة خطية من عدمه، وتغرق القصة بأكملها بين مكتب المحافظ وإدارة الفندق وقيادة الحزب أو الجمعية.
ثانياً: قانون الجمعيات، وقد قيل في نقد مضامينه ومندرجاته، ما قيل، وكذا الأمر بالنسبة للشركات غير الربحية، ولعل من أبرز هذه الملاحظات، ما يتصل منها بالقيود المفروضة على أنشطة وتمويل هذه المؤسسات، وتعدد مرجعياتها، وغياب معايير وجداول زمنية واضحة ومحددة للحصول على التمويل أو الموافقة عليه أو رفضه، وقد سجلت مؤسسات كثيرة، العديد من المظلمات والشكاوى في هذا الإطار، على الرغم من أن تعهدات من نوع دعم المجتمع المدني وتعزيز الشراكة معها، لم يخل منها أي بيان وزاري في السنوات العشر أو العشرين الفائتة.
لقد نظمت مؤسسات المجتمع المدني، عشرات اللقاءات مع الحكومات المتعاقبة، وأحياناً بحضور ومشاركة مجتمع المانحين، للتوصل إلى صيغ وآليات من شأنها تسهيل عمل مؤسسات المجتمع المدني، ولقد تلقى القائمون على هذه المؤسسات، العديد من الوعود والتعهدات، بتذيل العقبات التي تحول دون بناء شراكة حقيقة مع المجتمع المدني، وتمكينه وتدعيم دوره، ومعالجة كافة المشكلات التي تعترض عمله، بما فيها المشكلات الخاصة به، كالشفافية والحوكمة الرشيدة والتميز والإنجاز، لكن هذه الوعود والتعهدات لم يجر الالتزام بها، وسرعان ما كانت تتبدد عند أي تعديل أو تغير وزاري.
ثالثاً: قانون حق الحصول على المعلومات: الذي كان الأردن ريادياً في تبنيه قبل جميع الدول العربية، ما يزال في تطبيقاته، أقرب ما يكون إلى «الحبر على الورق»، ففي دراسة تطبيقية أجراها مركز القدس للدراسات السياسية، على ستين مؤسسة، اتضح أن معظمها لا يعرف بالقانون، وبعضها لا يظن أنه مشتملاً به، فيما جميعها تقريباً، لم تتخذ ما يكفي من الترتيبات والإجراءات، التي نصّ عليها القانون، لتسهيل إنفاذه، وتمكين المواطن والباحث عن المعلومة، من حقه في الحصول عليها، بيسر وسهولة.
والطامة الكبرى، أن شرائح وفئات عديدة من المجتمع الأردني، أحزاباً ومؤسسات مجتمع مدني، لم تدرك أن لها الحق في اللجوء إلى هذا القانون للتزود بما تحتاجه من معلومات، ولطالما قيل لنا، ونحن نروّج له وندعو لإدخال تعديلات جوهرية عليه، بأننا لسنا معنيين بقانون يخص الصحافة، ويخصها وحدها، حتى أن أحد الأمناء العامين للأحزاب السياسية، اتصل ذات يوم، متسائلاً عمّا إذا كان يملك الحق بالحصول على معلومات تخصه وحزبه، وعدد الأصوات التي تحصلوا عليها في انتخابات عامة، موزعة على صناديق دائرته الانتخابية.
القانون، بالتعديلات المقترحة عليه، معروض على مجلس النواب منذ عدة سنوات، وهو مركون في إدراجه، يتنقل كغيره من بعض القوانين من دورة إلى أخرى، ومن مجلس إلى آخر، بانتظار البت به، وفي ظني أن «حكومة الشفافية والإفصاح» مطالبة اليوم، بتسريع إقرار التعديلات المقترحة على القانون، وتفعيله، وإلزام كافة الجهات ذات الصلة، باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ مفاعليه ... كما أن المطلوب تضمين القانون «عقوبات» بحق الموظف العمومي أو الجهات ذات الصلة، التي تحجم عن الإفصاح عمّا بحوزتها من معلومات، غير مصنفة «سرية للغاية»، لا بل إن معظم مؤسساتنا ما زالت حتى يومنا، وبرغم مرور أكثر من عشرة أعوام على إقرار القانون، لم تصنف المعلومات التي بحوزتها، وهو متطلب ضروري ومسبق، لإنفاذ القانون وتسهيل حق المواطن في المعرفة.
هي عينة من جملة تشريعات، يتعين مراجعتها، وتفحصها في ميدان التنفيذ ... وثمة الكثير مما يمكن أن يقال لو أن هذه السلسلة من المقالات، تتسع للمزيد ... لكننا نكتفي بعرض هذه «الباقة» من الأولويات التي يتعين أن تُملأ بها، «السلة السياسية» لحكومة الرزاز، إن هي أرادت أن تكون حكومة النهضة والاستنهاض الوطنيين، وأن تؤسس في عملها لـ»عقد اجتماعي» جديد، يليق بالأردن والأردنيين.