بقلم : عريب الرنتاوي
قبل شهر، أجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أسئلة كثرة من زواره بخصوص القضية الفلسطينية بعبارة واحدة: اسألوني بعد شهر، في إشارة إلى نيته الكشف عن عناصر مبادرته لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الممتد لأزيد من مائة عام في أثناء أولى جولاته الخارجية إلى المنطقة ... الشهر انقضى والرحلة كذلك ... لكن الأسئلة ذاتها ما زالت معلقة، فالرجل لم يقل جملة مفيدة واحدة، لا في الرياض، وأمام قممها الثلاث، على الرغم من الكنوز التي عاد محمّلاً بها، ولا في القدس وبيت لحم المحتلتين... الأرجح أن الرجل صدر عن وعي بسيط وساذج، وهو يطلق الوعود والتعهدات بشأن حل هذا الصراع، وإحساسه بشخصيته المتضخمة، هو ما أوحى له بانه سيكون صاحب المجد الذي لم يبلغه أيٌ من أسلافه.
لا جديد يذكر في كل ما أدلى به ترامب من مواقف وتصريحات ... باع الفلسطينيين وعوداً لا تختلف من حيث جديتها وجدواها عن تلك التي سوقها بثمن باهظ في الرياض، وأمام قادة ما يربو عن الخمسين دولة عربية وإسلامية ... الشيء المؤكد أن الرجل جدد عهود الولاء والانحياز لإسرائيل، أو قل ليمينها القومي والديني الأكثر تطرفاً، فالرجل وفريقه المعين لمتابعة هذا الملف كوشنر – جرينبلات – فريدمان، أكثر يمينية من اليمين الإسرائيلي ذاته.
في الرياض، حمل الرئيس على التطرف والإرهاب، في إشارة إلى تطرفنا وإرهابنا، ودعانا إلى طردهما من مجتمعاتنا ومساجدنا ... في القدس اكتفى بوصف إسرائيل بالدولة الرائعة، مع أن موجة "طالبانية" بامتياز، تجتاح المجتمع الإسرائيل، فالتطرف خرج من المدارس الدينية إلى المدارس الحكومية، وقوات الأمن الإسرائيلية تجري التمارين والبروفات أمام طلبتها لتعليمهم فن قتل الفلسطيني في الشارع وعند أول زقاق ... لا ذكر للتطرف الديني اليهودي، للداعشية اليهودية المبثوثة في ثنايا التعاليم الدينية والمنهاج المدرسية والنشاطات "اللامنهجية" التي تعج بها ساحات المدارس وباحاتها ... إسرائيل دولة رائعة، نقطة أول السطر.
الدعم الأمريكي، الترامبي بخاصة، للعرب والمسلمين، مكلف للغاية ... لا ندري كم ستكون حصيلة المبالغ التي سيتحصل عليها الرجل بعد إتمام صفقات التسلح مع ثلاث أو أربع دول عربية ... لكنها لن تقل بكثير عن الترليون دولار، وهو رقم كفيل بإطفاء كل أزمات المنطقة وحروبها، وإعادة بنائها واستنهاضها، ودفن جوع أبنائهما وفقرهم، وإعادة صياغة مجتمعاتنا إن أنفق بعدالة، بصورة تغلق أي منفذ في وجه إيران أو تركيا أو أي طرف تدخلي خارجي... الدعم الأمريكي لإسرائيل، مكلف أيضاً، ولكن لدافع الضريبة الأمريكي، وليس الإسرائيلي، هنا يتعين تقديم مال دافع الضريبة سنوياً، حبا وطواعية، سراً وعلانية، لكي تبقى إسرائيل، على تفوقها على العرب والمسلمين، اجمعين ومجتمعين.
لا جديد في جولة سوى إعادتنا إلى مربع دايتون – بلير، ومساري الأمن والاقتصاد، الأمن المطلوب بكافة استحقاقاته من الجانب الفلسطيني، وصولاً لوقف رواتب أسر الشهداء والأسرى ... والاقتصاد الذي يراد به التعويض عن الحقوق الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف، أو أقله شراء صمت الفلسطينيين وسكينتهم، حتى تستكمل إسرائيل عمليات القضم المتدرج والمتسارع للأرض والحقوق والمقدسات ... أما عملية السلام، بما هي إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين، فتلكم مسألة غير مدرجة على جدول اعمال رجل الأعمال، دونالد ترامب، ولا يعنيه أمرها.
أليست هذه عودة غير ميمونة إلى زمن الجنرال كيث دايتون و"الانسان الفلسطيني الجديد" وموفد الرباعية سيء الذكر طوني بلير ونظرية "السلام الاقتصادي"؟ ... ألسنا أمام مشهد يعاد تصويره المرة تلو الأخرى (كلاكيت 10) على الأقل، منذ أوسلو واتفاق باريس وحتى آخر محاولة للوزير جون كيري مروراً بطابا وخريطة الطريق وجورج ميتشيل وغير ذلك كثير؟
بالون ترامب الذي ارتفع على علو شاهق بتصريحاته غير المحسوبة وتغريداته غير المنضبطة، يكاد يفرغ من الهواء، فلا هو سيأتي بالدولة الفلسطينية على طبق من فضة، ولا هو في وضعية تمكنه من الإتيان برأس إيران على طبقة من ذهب ... من أسف، أننا في هذه المنطقة أشبعنا الرجل مديحاً وهجاءً ولكنه فاز بمئات مليارات الدولارات ... عاش النظام العربي، وشكراً لأهل الحزم والعزم والمقاومة والممانعة.