بقلم - عريب الرنتاوي
المقترح الألماني بشأن «تدويل» منطقة آمنة في شمال سوريا، وبمشاركة روسية وتركية، يبدو مثيراً للاهتمام ومحمّلاً بالكثير من علامات التساؤل والاستفهام ... روسيا اعتبرته جديراً بالدراسة، تركيا التزمت الصمت، وكذا فعلت دمشق.
يؤمن المقترح إحساساً بالطمأنينة لدى سكان الشريط الحدودي، بالذات من الأكراد، الذين يخشون التهجير والتطهير العرقي ... وهو قد يبعث برسالة طمأنينة إلى دمشق، كونه يحول دون «تفرّد» تركيا بالسيطرة الأمنية والإدارية المحفوفة بكل أحلام الضم والتوسع والهيمنة المستدامة على هذه البقاع ... بيد أن المقترح لا بد يثير أسئلة من نوع:
ما مصير وحدات الحماية الكردية وقوات «قسد»؟ ... هل يمكن أن يكون لها دوراً في هذه المنطقة؟ ... المقترح لم يفصح عن هذه المسألة، لكنه إذ يفترض دوراً تركياً في الاشراف على هذه المنطقة، فإن من المنطق الاستنتاج بأن المليشيات الكردية لن يكون لها مطرح فيه... ثم، وهذا هو الأهم، هل يسقط المقترح الألماني دور الحكومة السورية وقواتها النظامية تماماً من أية ترتيبات في هذه المنطقة؟ ... هل تقبل دمشق باستثنائها وإخراجها عن بقعة من أرضها، وكيف سيتصرف حلفاؤها والحالة كهذه؟
ما هو التفويض والمديات الزمنية للترتيبات الخاصة بهذه المنطقة؟ ... وكيف سيجري ربطها بحل مشكلة اللاجئين، وهل «ستساير» ألمانيا و»الناتو» الأتراك في مسعاهم لإعادة توطين اللاجئين السورين في الشريط الحدودي، أقله لكي تغلق الباب في وجه احتمالات تلقي موجات جديدة منهم، وسحب ورقتهم من بين يدي أردوغان؟
ماذا عن المناطق التي دخلها الجيش السوري وأعاد الانتشار فيها صحبة قوات روسية، هل سيطلب إليه الانسحاب منها، هل سيستثنى من «المنطقة الآمنة»، هل سينظر له بوصفه جزءاً منها مع مراعاة دور للجيش والحكومة السوريين فيها؟
وحين يقال إشراك تركيا في الإشراف على المنطقة الآمنة، هل يقصد بذلك أيضاً الميليشيات السورية التابعة لها، والمنضوية في إطار ما يسمى بـ»الجيش الوطني»؟ ... هل يمكن أن تقبل دمشق وحلفاؤها بمثل هذا الأمر، سيما وأن بعض وحدات هذا الجيش وقادته، قضوا سنوات مقاتلين في صفوف النصرة وأحرار الشام، بل وحتى في تنظيم داعش الإرهابي؟ ... ما مصير هذا «الجيش»، إن لم يعد له دور في الشريط الحدودي، هل سيصار إلى إعادة نشره في إدلب التي زارها بالأمس الرئيس السوري في توقيت لافت، تزامناً مع قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان؟
وإذا كانت لألمانيا (وأوروبا عموماً) مصلحة عميقة في درء موجات جديدة من اللاجئين، وسد الشقوق التي يمكن أن يتسرب منها تنظيم «داعش» من جديد، فهل يمكن لها ولدول حلف «الناتو» أن تكون عنصر استقرار في شمال سوريا، في الوقت الذي تتخذ فيه مواقف متشددة من النظام في دمشق، وتفرض فيه عقوبات أمريكية وأوروبية على سوريا؟ ... هل يراد لهذا المقترح أن يكون عتبة نحو السلام أم منصة جديدة للتصعيد، وأين موقع دمشق في كل هذا الحراك.
أسئلة وتساؤلات، لا شك أنها (وكثير غيرها) ربما ستكون حاضرة على مائدة البحث حين تجلس القيادة الروسية لدراسة المقترح الألماني كما وعدت، وستكون موضع مناقشات ومشاورات كذلك بين عواصم عدة، سيما في إطار ثلاثي أستانا، وبالأخص بين دمشق وحليفتيها: طهران وموسكو.