بقلم - عريب الرنتاوي
سيكون اليمن، ساحة الاختبار الأولى للتحولات في الموقف السعودي حيال إيران، فإن تحرك مسار الحل السياسي لهذه الأزمة، وإن تقدمت مبادرات “خفض التصعيد” و”إيصال المساعدات الإنسانية”، سنكون أمام بداية نهاية الكارثة الإنسانية الأشد خطورة وتفاقماً منذ الحرب العالمية الثانية كما يقول خبراء دوليون.
القصة تبدأ مع زيارة ولد الشيخ إلى إيران، وهي الزيارة التي قيل إنها تمت بضوء أخضر سعودياً، وربما بطلب من الرياض، وهذا ما أكدته أيضاً التسريبات الأخيرة التي نسبت إلى مارتن إنديك وستيفن هاردلي، والتي نقلا فيها على لسان ولي العهد السعودي طلبه المساعدة لإنهاء الازمة، وإبداء الاستعداد للانفتاح على إيران، الأمر الذي عُدّ بمثابة “البراغماتية في ذروة تجلياتها”.
المؤسف أن هذه الحرب، غير الضرورية والفائضة عن الحاجة، كلفت اليمينين أكثر من خمسين ألف قتيل وجريح، وملايين النازحين واللاجئين، ونصف مليون مصاب بداء الكوليرا، وخراب لن يقوى اليمن على النهوض من تحت ركامه لعشرات السنين القادمة ... المؤسف أن هذه الحرب التي تركت جروحاً غائرة في النسيج اليمن الداخلي، وفي العلاقات اليمنية السعودية،تكاد تنتهي مثلما بدأت، من دون أي تغيير جدي في قواعد اللعبة أو توازنات القوى، لكأنه إعصار مر بالمنطقة، من غير استعداد، وخلف وراءه خراباً مقيماً.
نتوقع أن تشهد الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، حراكاً سياسياً ودبلوماسياً ذا مغزى، وقد يصبح بالإمكان تحقيق تقدم في الملف السياسي، وإن من بوابة الملف الإنساني ... لكن الحرب على اليمن سيكون لها تداعيات من نوع آخر، يتعين بذل جهود طويلة الأمد من أجل احتواء آثارها وتفاعلاتها، منها ما يتصل بالعلاقات اليمنية – اليمنية، ومستقبل وحدة البلاد وسيادتها بعد تحولها إلى ملعب مفتوح لكل الجيوش والمليشيات، وبعد شلالات الدم الذي أريق بغزارة في جداولها، ومنها ما يتصل بالندوب التي ستخلفها على سطح العلاقات بين أطراف التحالف الذي خاضها، والتي لن تقتصر في المستقبل على اتهام قطر بالتآمر مع الحوثيين ضد قيادة التحالف (السعودي الإماراتي).
والحقيقة أن جنوح السعودية لمنطق التسويات على المسار اليمني والذي بات أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة، يؤكد ما كنا ذهبنا إليه في بداية الأزمة، حين ربطنا بين شن الحرب على اليمن قبل ثلاثين شهراً بمقتضيات انتقال السلطة في المملكة... اليوم وبعد أن اكتملت عملية الانتقال، أو تكاد تكتمل، يبدو أن الحرب فقدت مبرر استمرارها، وتحولت إلى عبء ثقيل على كاهل الخزانة والمكانة السعوديتين.
ستنتهي الحرب في اليمن وعليه، من دون عودة عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء، وهو الذي تحول من ورقة في يد حلفائه إلى عبء عليهم ... ستنتهي من دون إخراج الحوثيين من صنعاء والحديدة وغيرهما من المدن... ستنتهي الحرب على اليمن مخلفة يمنين اثنين على أقل تقدير، وربما يمتد حبل التقسيم ويلتف حول مناطق أخرى ...ستنتهي الحرب مخلفة وراءها نفوذاَ متزايداً للسلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة (داعش والقاعدة وغيرهما)، خصوصاً في “المناطق المحررة”، وهي – الحرب - التي أدرجت في سياق الحرب الكونية على الإرهاب... ستنتهي من دون خروج إيران من هذه البقعة، بل على العكس من ذلك تماماً، فإن الحرب لن تنتهي مالم يجري “خطب ود” إيران، وضمان “مشاركتها الإيجابية” في حل الأزمة على حد تعبير ولد الشيخ.
لا رابح في هذه الحرب، فقد كانت حرباً كارثية بامتياز، على نساء اليمن وأطفاله ورجاله وشيوخه وبناه التحتية الهشة والبدائية.
أكثر ما يعمق “تراجيديا” الحرب في اليمن وعليه، أنها ستنتهي من دون حساب ولا مساءلة ... وزير في ألمانيا يستقيل لارتكابه مخالفة تجاوز السرعة القصوى على الطرق، وآخر في الدانمارك لسفره على متن الدرجة الأولى بخلاف القانون ... أما في عالمنا العربي والإسلامي، حيث لا يكف أحدٌ عن التبجح بالقيم والمثل والمبادئ العليا، فلا يبدو أن أحداً تنتابه نوبة قلق ليلية واحدة، أو يقفز عن وجبة طعام مقررة، مهما تعالى أنين الضحايا وبكاء الأطفال وعويل الثكالى... أي كابوس هذا؟