بقلم : عريب الرنتاوي
إن صحت "التسريبات" حول عرض عربي لواشنطن، يقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل نظير رزمة من "إجراءات بناء الثقة" من بينها إبطاء وتائر الاستيطان وتخفيف حدة الحصار المضروب على قطاع غزة، فإن من حق المواطن العربي أن يقرأ على "مبادرة السلام" السلام.
في الأنباء (اقرأ التسريبات)، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبلغت من عواصم عربية استعدادها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل إن هي أوقفت تسارع العمليات الاستيطانية والتوسعية، وسمحت بزيادة قائمة السلع المتاحة لأبناء غزة، بعد عشر سنوات من الحصار ... من وجهة نظر كاتب هذه السطور، تبدو العملية معكوسة تماماً، والأرجح أن القادة العرب استمعوا من ترامب ومساعديه، لرغبته في تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية، توطئةً لبناء "ناتو" عربي – إسلامي – إسرائيلي يقف في وجه إيران ونفوذها في المنطقة.
والمؤكد أن إدارة ترامب، التي طالما عبرت عن "فائض تأييدها" للسياسات والمواقف الإسرائيلية، بما فيها تلك المتعلقة بالاستيطان، أبلغت عواصم عربية عدة، سراً وعلانية، أنها ليست بوارد الطلب من إسرائيل وقف أنشطتها الاستيطانية، وأن كل ما يمكن أن يصدر عنها، هو طلب "تخفيف وتائر" هذه العملية لا أكثر، نظير قيام العرب والفلسطينيين بتلبية سلسلة من الاشتراطات والمطالب الإسرائيلية أساساً، وفي المقدمة منها، دفع مسارات التطبيع والتعاون بين إسرائيل والدول العربية... يبدو أن هناك من بين القادة العرب، من "تطوع" لتقديم البضاعة المطلوبة، وهذا ما ستتضح حدوده وأبعاده بعد القمة الأمريكية – العربية – الإسلامية.
عندما أقرت المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002، قيل إن المبادرة تشكل سقف التنازلات التي يمكن للقادة العرب تقديمها لإسرائيل... ومنذ ذلك التاريخ وحتى قمة البحر الميت في نهاية آذار/مارس الفائت، تعاقبت القرارات العربية المؤكدة على التمسك بالمبادرة والرافضة لتعديلها أو الهبوط بسقوفها، مع أن محاولات "جس نبض" جرت غير مرة، من أجل فعل.
وقبيل قمة البحر الميت الأخيرة، نشب سجال بين القيادة الفلسطينية في رام الله من جهة والأمين العام لجامعة الدول العربية من جهة ثانية ... دار السجال أساساً حول إمكانية أن يتقدم الفلسطينيون بمبادرة جديدة، توقعنا في حينها أن ينحصر المقصود، بأمرين اثنين: الأول؛ التخلي عن البند الخاص باللاجئين، وهو البند الذي أضيف أصلاً للمبادرة بعد تدخل من الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود... والثاني؛ إعادة النظر في ترتيب الجدول الزمني للمبادرة، كأن يتم تقديم التطبيع على جلاء الاحتلال عن الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية.
لا أحد يتحدث اليوم في قضية اللاجئين، أما ثمن التطبيع العربي – الإسلامي مع إسرائيل، فقد هبط من أن يكون إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، إلى مجرد إبطاء الاستيطان وتخفيف الحصار عن غزة... الأمر الذي إن حصل، فسيطلق معه على أوسع وأسرع عملية تطبيع عربية شاملة مع إسرائيل، ودائماً تحت شعار احتواء إيران وتقليم أظافرها، فضلاً بالطبع عن التوحد في الحرب على الإرهاب.
لم يجف بعد الحبر الذي كتب به إعلان عمان عن القمة العربية ... صدقت نبوء أحمد أبو الغيط بتعديل المبادرة، لكنه كذب بشأن هوية الجهة التي تريد فعل ذلك ... لم يكن الفلسطينيون هم من دعا لذلك، بل المهرولين إلى خنادق حروب الطوائف والمذاهب، لحساباتهم ومصالحهم الخاصة، وبالضد من مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية.