بقلم - عريب الرنتاوي
لا يسع المراقب لأداء الهيئة المستقلة للانتخاب، سوى أن يلحظ التطور الكبير الحاصل في مهنيتها وشفافيتها، فبعد سنوات من التأسيس وبناء القدرات المؤسسية، باتت الهيئة جهة مرجعية مستجيبة لاحتياجات الناخب والمرشح والدارس والمراقب، ومن يقوم بزيارة موقع الهيئة ووسائل تواصلها مع الجمهور، يلحظ سلاسة تدفق المعلومات وغزارتها، وفي كل منحى من مناحي العملية الانتخابية.
ومن يساوره الشك فيما نقول، عليه أن يسترجع صفحات من تجاربنا الانتخابية السابقة لتشكيل الهيئة، حيث كانت المعلومة نادرة، والبحث عنها مضنٍ، والقيود المفروضة حولها من النوع المستعصي على التفكيك، دع عنك مقدار الثقة بصحة الرقم والنسبة المئوية، جراء سنوات من التدخلات الحكومية الضارة في مختلف مراحل العملية الانتخابية، من “نقل الأصوات” إلى إعلان النتائج.
قبل الهيئة، كانت النظرة الأمنية حاكمة ومتحكمة بالمعلومة، بعدها بدأت المعايير الدولية تغزو عمل الهيئة وتتحول إلى قواعد للعمل ومرجعيات يُحتكم إليها ومعايير للتقييم وحسن الإنجاز ... والفضل في ذلك يعود إلى طواقم الهيئة ورؤسائها الذين تعاقبوا عليها، دع عنك “الاحتضان” الدولي الكثيف، ومن قبل منظمات دولية وازنة، وفرت الكثير من الجهد والمال والخبرة، ووضعته في تصرف الهيئة.
لم نكن أبداً في “الجانب الخطأ” عندما دعمنا بقوة فكرة تشكيل هيئة مستقلة للانتخاب منذ أكثر من خمسة عشر سنة ... وكنا في الموقع الصحيح، عندما رحبنا بتأسيسها، ودعونا لتعزيز تفويضها وتصليب إطار عملها القانوني وبناء قدراتها المؤسسية، فهي الضمانة الأساس لنزاهة وشفافية وسلاسة العمليات الانتخابية، ولقد برهنت أنها “خلية نحل” لا تكف عن العمل، وتكشفت عن طاقة جبارة لضخ المعلومات والبيانات التوضيحية، وبشتى الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، وعبر مختلف قنوات التواصل ووسائل الإعلام والاتصال.
وفي الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها غداً، أبلت الهيئة بلاءً حسناً، فما من معلومة احتجناها إلا وتوفرت لنا بيسر وسهولة، وظل طاقمها في حالة الاستعداد للإجابة على أي سؤال أو تقديم أي معلومة ... ومن جاب شوارع المدن الأردنية وميادينها، شاهد الحضور الكثيف للهيئة قبل الاستحقاق وفي مختلف مراحله، وبوسائل لا يتعذر على أي أردني أو أردنية أن يفهمها ويتفهمها.
لكن مشكلة الهيئة مع الشريحة الأعرض من الأردنيين أنهم لا يقرأون، فكم من مرشح لمجالس المحافظات لا يعرف شيئاً عن القانون والأنظمة والتعليمات ... وكم من الأسئلة التي تلقينها من المواطنين في العديد من الندوات التي نظمناها وشاركنا فيها في العديد من مدن المملكة وبلداتها، التي أظهرت جهلاً مقلقاً بمشروع اللامركزية على وجه الخصوص، مع أن معظم إن لم نقل جميع هذه الأسئلة والتساؤلات، تتوفر إجاباتها على موقع الهيئة ومواقع التواصل الاجتماعي، وتُبث عبر مختلف وسائل الإعلام، ويجري التداول في مئات الورشات التي شهدها الأردن خلال الأشهر الماضية، والتي شاركت فيها بحماسة، الحكومة والهيئة وعشرات المؤسسات المدنية الأردنية ذات الصلة.
كنا نظن أننا شعبٌ لا يقرأ ... مؤخراً عرفنا أننا شعبٌ لا يشاهد ولا يستمع ... الأفلام المصورة والدعايات التوضيحية للهيئة لا يصغي إليها أحد على ما يبدو، إلا من رحم ربي ... مع أنها مصاغة بلغة سهلة الاستيعاب، ومصحوبة برسوم توضيحية ومدججة بالألوان وغير ذلك، ويجيب كل واحد منها على سؤال تكرر على مسامعنا عشرات المرات، الأمر الذي يطرح مشكلة، ليست على الهيئة، بل على الدولة والمجتمع الأردنيين بمختلف مؤسساتهما.
الهيئة قامت بوظيفتها بدرجة متقنة تُحسب لها، وهي استحقت الثناء وتستحق الدعم والإسناد بكل ما تحتاجه من إمكانات ودعم سياسي ومعنوي، فهي رافعة كبرى من روافع استعادة الثقة بالعملية الانتخابية والنتائج المترتبة عليها، بعد أن هبط مؤشر الثقة بها إلى أدنى مستوياته بعد انتخابات 2007 على وجه التحديد.