بقلم - عريب الرنتاوي
خمسة أسابيع، أو أزيد قليلاً، هي المسافة التي تفصلنا عن انتخابات الكنيست الإسرائيلي الحادي والعشرين ... وهي مسافة طويلة على قصرها، وقد تحمل في طيّاتها مفاجآت من النوع المقرر لنتائج الانتخابات
«Game Changer»، لكن الصوة كما تبدو الآن من الاستطلاعات المتعددة للرأي العام الإسرائيلي، يمكن اختزالها بعبارة واحدة: سينجح بيني غانتس وتحالف «أزرق – أبيض» لكن نتنياهو سيظل الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة القادمة، ما لم تطاله بالطبع يد «العدالة» ويقضي ما تبقى من عمره خلف القضبان بتهم الرشى والاحتيال وخيانة الأمانة.
عبارات اليمين واليسار والوسط، هي أكثر العبارات تضليلاً في وصف الخريطة السياسية – الحزبية في إسرائيل ... فعندما يخرج علينا تقرير يتحدث عن غلبة اليسار على اليمن أو تساويهما لأول مرة منذ سنوات في الكنيست القادمة، فإنه يقصد باليسار إلى جانب حزب العمل وحركة ميريتس ائتلاف أزرق أبيض «كاحول لافان»، بزعامة الرباعي غانتس، لبيد، أشكنازي ويعلون، مضافاً إليها الأحزاب العربية، التي لا يمكن إدراجها في لائحة الأحزاب الصهيونية وتصنيفاتها.
الكنيست القادم سيخضع لأغلبية يمنية كاسحة، فاليمين واليسار في التصنيفات الإسرائيلي، نسبي للغاية، ومشروط بالمعايير الإسرائيلية، وغالباً ما يتعلق الأمر بتباين المواقف الاقتصادية والاجتماعية، من دون أن يكون لذلك صلة بالموقف من المسألة الفلسطينية وقضايا الحل النهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
اليسار التقليدي في إسرائيل، العمل وميرتس، بالكاد سيحصلان على 12 – 13 مقعد، ثمانية على أبعد تقدير للأول و4- 5 للثاني .... أما أحزاب اليمين والحريديم، فإنها مجتمعة ستحصل على ما لا يقل عن 60 مقعدا، وإذا سلمّنا جدلاً بأن «كاحول لافان» محسوب على يمين الوسط، فإنه بمقاعده المقدرة ما بين 35 – 37 معقداً، سيرفع نسبة اليمين بتلاوينه المختلفة إلى ما يزيد عن 85 بالمائة من إجمالي مقاعد الكنيست.
الرباعي الأزرق – الأبيض، وضع نصب أعين أركانه إزاحة نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فالرجل سجّل رقماً قياسياً في حكم إسرائيل (14 سنة)، وهو مستفز لفئة واسعة من السياسيين الإسرائيليين، وعلاقته بالمؤسسة العسكرية والأمنية (من خارجها) لم تكن دائماً ودّية ... أما في السياسة، فإن من الصعب العثور على فوارق جوهرية بين زعيم الليكود وجنرال وضع صور الخرائب والدمار في غزة على ملصقات حملته الانتخابية والدعائية (غانتس).
قد يحظى غانتس بحكم تقدم حزبه على بقية الأحزاب في الاستطلاعات، بالأولوية لتشكيل حكومة التناوب مع لبيد، بيد أن كافة التقديرات تشير إلى عجزه المرجح عن النجاح بمهمته، وقد ينتقل التكليف إلى زعيم حزب الليكود، المتوقع أن يحل ثانياً في الانتخابات المقبلة (29 – 30 مقعداً) لتشكيل الحكومة، ولن يجد نتنياهو صعوبة في إنجاز مهمته، فلديه أغلبية يمينية مضمونة، وسيكون هذا التكليف مؤيّداً من قبل أغلبية الرأي العام، التي تضع نتنياهو أولاً، وبفارق نقاط عديدة عن غانتس، كرئيس حكومة مفضل لإسرائيل، على الرغم من طوفان الفضائح الذي يحاصره، والأرجح أن تكون الحكومة المقبلة، نسخة أكثر تطرفاً وتشدداً من الحكومة الحالية، جرياً على مألوف الانتخابات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في ربع القرن الأخير، حيث تأتي كل انتخابات بكنيست وحكومة وائتلاف، أكثر تشدداً وتطرفاً مما سبقها.
وحدها المحكمة (القضاء) يمكن أن تجهز على فرص نتنياهو، لكن عملية التقاضي ليست نزهة قصيرة، ولن تنتهي في أشهر قلائل، وربما تستغرق سنوات ولاية نتنياهو القادمة بأكملها ... والرجل لا يشبه غيره من رؤساء حكومات إسرائيل، فهو مستمسك بالسلطة ومقاتل من أجلها، والاستقالة ليست مفردة في قاموسه.
ما يهمنا في هذا المقام، أن الرهان على التغيير الذي يمكن أن تأتي به الانتخابات القادمة للفلسطينيين، هو رهان خائب، وأياً كان رئيس الحكومة المقبل، فإن قاعدة ائتلافه الوزاري ستكون من معسكر اليمين والحريديم، وفي أحسن سيناريو، ستواصل الحكومة العتيدة ما بدأته سابقاتها، وفي السيناريو الأسوأ، ستذهب بعيداً في التطرف والعدوان والاستيطان والتنكر لحقوق شعب فلسطين الوطنية المشروعة ... والحقيقة أنه لا توجد رهانات كبيرة وكثيرة على الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة كما كان يحصل من قبل، فمختلف الأطراف، أدركت على ما يبدو الوجهة التي تسلكها إسرائيل دولة ومجتمعاً ورأياً عاماً، ولم يعد هذا الاناء ينضح إلا بأكثر الأصوات تطرفاً وتعصباً وعنصرية، فمن كان يتخيل قبل بضع سنوات أن يخوض الليكود الانتخابات بـ»حلف غير مقدس» مع جماعة كاهانا الإرهابية التي أنجبت باروخ جولدشتاين، جزار الحرم الإبراهيمي الشريف.