بقلم : عريب الرنتاوي
إسرائيل تغيرت ... حقيقة يعرفها البعض منّا ولا يدري ماذا يفعل حيالها، ويجهلها بعضنا ممن توقفت معارفه عن إسرائيل عند ثمانيّات القرن الفائت وتسعينياته ... ويقلل من شأنها فريق ثالث، لم ير في إسرائيل سوى كرة صماء مصمتة، لا فرق فيها بين اتجاه وآخر إلا بكمية الدم العربي الذي تلطخت به يداه.
إسرائيل تغيرت، فبعد الانقلاب اليميني الأول في العام 1977، تتالت الانقلابات اليمنية، ذهب اليمين الديني والقومي بعيداً في تطرفه وعدائه للعرب، وبصعوده تغيرت أولويات إسرائيل وحساباتها و»نظريتها حول الأمن القومي» ... ومن يتابع الانتخابات الكنسيت الحادي والعشرين المقررة في نيسان/أبريل المقبل، يلحظ أن المعركة الانتخابية الأشد وطيساً، تدور بين اليمين واليمين المتطرف، فيما التقديرات والاستطلاعات تمنح اليسار الإسرائيلي مقاعد أقل وتمثيلا أدنى.
ما الذي يعنيه ذلك أردنياً؟
إن المعنى الأول والأهم لهذا التغيير، أن إسرائيل بمجملها، أقله الائتلاف الحاكم حالياً، والمرجحة عودته بقوة للحكم على صورة أكثر يمينية وتطرفاً، لم تعتد تكترث بحسابات الأردن وحساسياته، بل ويمكن القول من دون تردد أو تلعثم، أن مكانة الأردن في الحسابات الاستراتيجية والأمنية الإسرائيلية، في تراجع مستمر، نظراً لتبدل الأولويات الإسرائيلية، لصالح ابتلاع الضفة الغربية وإحباط مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، والهيمنة على القدس بما فيها ومن فيها، والتنكر المطلق لقضية اللاجئين وحقهم في العودة والتعويض، تزماناً مع استمرار «تهتك» الحالة العربية، وتعاقب موجات «الهرولة» نحو إسرائيل، ووجود إدارة في البيت الأبيض، صهيونية أكثر من كثيرٍ من الإسرائيليين أنفسهم.
وأجازف بالقول، أن إسرائيل التي خبرت «إدارة الفوضى غير البناءة» في لبنان وسوريا وسيناء (مع قطاع غزة)، ونجحت في صيانة أمنها إلى حد كبير طوال سنوات وعقود، لم تعد تعطي «البعد الأمني -الاستراتيجي» في علاقتها مع الأردن، الأهمية ذاتها التي كانت تحظى بها من قبل، وإن فُرِض على الائتلاف الحاكم في إسرائيل، المفاضلة بين خياري ابتلاع الضفة الغربية، بما يترتب عليه من انعكاسات كارثية على أمن الأردن واستقراره وهويته الوطنية، أو التمسك بفرضيتها الأمنية الأساسية: «أمن الأردن جزء من أمن إسرائيل»، لانحازت دون تردد للخيار الأول، وضربت عرض الحائط بهواجسنا وحساباتنا ومخاوفنا.
ومن ينظر لتجربة السنوات العشر الأخيرة في العلاقة الأردنية – الإسرائيلية على وجه الخصوص، يدرك تمام الإدراك أن إسرائيل ماضية بتدريج متسارع، في مشروعها الابتلاعي للضفة الغربية والقدس والمقدسات، غير آبهة بمخاوف الأردن ومصالحه، ولا بما يمكن أن يترتب على هذا المشروع من انعكاسات خطيرة على أمن الأردن واستقراره وهويته الوطنية، بل وبالضد من هذه المخاوف والمصالح، وأنها – إسرائيل - لم يعد يضيرها أن يرتفع صوت الأردن احتجاجاً على خياراتها وبدائلها، طالما أنها شديدة القناعة، بأن خياراتنا وبدائلنا في مواجهتها متواضعة ومحدودة التأثير.
في هذا السياق، وفيه فقط، يمكن فهم قضية «مطار رامون» على مقربة من الحدود الأردنية وبما يهدد بانتهاك مجالنا الجوي وسلامة الملاحة الجوية في «مطار الملك الحسين» ... وفي هذا السياق أيضاً يمكن النظر للانتهاكات الإسرائيلية لمعاهدة السلام في القدس والمياه وأمننا الداخلي، بدءاً بمحاولة اغتيال خالد مشعل في قلب العاصمة، وانتهاء بجريمة السفارة في الرابية.
وفي قضية المطار على وجه الخصوص، يبدو أن السلطات الإسرائيلية، تشجعت على المضي قدماً في مشروعها جراء ضعف الأداء الحكومي في التصدي لهذا المشروع منذ بداياته الأولى ... إذ كان من الأولى بنا أن نستنفذ جميع أوراقنا وخياراتنا بما فيها «تدويل» قضية المطار منذ أن كان فكرة، وكنا نعرف عنها الكثير، وقبل بدء الانشاءات أو في بداياتها ... أما أن نستيقظ على خيارات التدويل وأن نستحدث كل هذه «الجلبة» بعد أن افتتح المطار رسمياً ودخل المطار حيز العمل، فمعنى ذلك أنه سيتعين علينا التعامل معه كأمر واقع، سيجري تجاوزه بتشكيل اللجان الفنية وتنسيق حركة الملاحة لضمان السلامة، وغير ذلك مما لا يغير على أرض الواقع شيئاً.... وبانتظار أزمة أخرى وتهديد آخر في قادمات الأيام.
من دون رؤية استراتيجية جديدة لمستقبل العلاقة مع إسرائيل، من دون «خطة ب» للتعامل مع التهديدات والتحديات التي تهبّ على بلادنا من الغرب ... لن يكون هناك تبدل أو تغير في نظرة إسرائيل للأردن وتعاملها معه ... أما أن تواصل إسرائيل كل هذا الصلف والتحدي، ونحن ماضون في تطبيع علاقاتنا معها، وتوثيقها في مجالات استراتيجية كالأمن والغاز والمياه، فإن سؤالاً بدهياً يطرح نفسه: لماذا يتعين على إسرائيل أن تقلق؟!