القاهرة إذ تغرد سورياً خارج سرب الاعتدال العربي
أخر الأخبار

القاهرة إذ تغرد سورياً خارج سرب الاعتدال العربي

المغرب اليوم -

القاهرة إذ تغرد سورياً خارج سرب الاعتدال العربي

بقلم : عريب الرنتاوي

من بين الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، اتخذت مصر موقفاً متميزاً ... ندد بالجريمة النكراء في خان شيخون دون أن يتورط في إعطاء حكم نهائي حول هوية القاتل ... رفض الانخراط في حفلات الإشادة والترحيب بالضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات، ودعا لتسريع مسار الحل السياسي التفاوضي وبناء التوافقات الدولية والإقليمية الضرورية لإخراج سوريا من مأزقها الراهن.

هذا الموقف ينسجم مع الموقف المصري حيال الأزمة السورية، والذي لم يتردد في التصويت لصالح مشروع روسي بشأنها قبل عدة أشهر، وهو الموقف الذي أثار في حينه، حفيظة عدد من الدول الخليجية، وأدى إلى توتير في العلاقات الثنائية، لتسود بعدها مرحلة من البرودة لم تبددها إلا الأجواء الصيفية الدافئة على الشاطئ الشرقي للبحر الميت ... المؤكد أن هذا الموقف لن يرضي الدول ذاتها، وربما يلقي بظلاله على مناخات التحسن في العلاقات.

موقف مصر حيال الأزمة السورية، نابع من جملة اعتبارات تاريخية – استراتيجية، وأخرى تكتيكية - آنية ... في البعد التاريخ والاستراتيجي، ظلت سوريا (الشام) على الدوام، موضع تحسب لكل الأنظمة والممالك التي حكمت مصر، منها يأتي التهديد وفيها وعليها يجري التمدد والتوسع ... وبالمعنى التكتيكي، فإن القاهرة على أتم القناعة، بأن أي نظام بديل لنظام الأسد، وفي مطلق الظروف وجميع الأحوال، سوف يشتمل على "مكون إسلاموي"، يصعب عليها هضمه واستيعابه، وهي المنخرطة في حرب ضروس ضد الإسلام السياسي الجهادي والإخواني على حد سواء، وهي تعتقد بأن نظام الأسد، على علاته، سيظل أفضل خيار ممكن لسوريا، من بين الخيارات والسيناريوهات التي يمكن تخيلها في ضوء تحليل طبيعة القوى المعارضة للنظام، والأطراف الإقليمية والعربية التي ترعاها وتمدها بالمال والسلاح والإيديولوجية، سلفية كانت أم إخوانية.

لهذا السبب بالذات، تبدو مصر أقل حماسة من حليفاتها العربيات، لدعم مشاريع التغيير في سوريا، أو المسارعة للتنديد بالنظام عند أول اشتباه بارتكابه فعلة شنعاء ... وهي بهذا المعنى، تظهر حذراً يفوق ما لدى أكثر الأنظمة العربية عداء للإخوان المسلمين، وأعني بها دولة الإمارات العربية، التي تتخذ مواقف بين الحين والآخر، تلتقي مع مواقف جماعات إخوانية، في سوريا أو غيرها، وتعادي أطرافاً من المفترض أنها تشاطرها المواقف ذاتها من هذه الجماعة.

سبب آخر يجعل مواقف مصر من سوريا، متميزة عن مواقف بقية أفراد سرب الاعتدال العربي ... وهو أنها لا ترى إيران، دولة معادية، على الرغم من قيامها بين الحين والآخر، بتوجيه أشد الانتقادات للسياسات الإيرانية التوسعية والتدخلية في المنطقة، وغالباً للتناغم مع مواقف الحلفاء في الخليج ... في حين تعتبر دول أخرى، أن التهديد الإيراني، لا يقل خطورة عن تهديد الإسلام السياسي السني، في طبعته الإخوانية على نحو خاص ... هذا يجيب – ربما – على سؤال، لماذا تبدو القاهرة أكثر قرباً من دمشق، من عواصم خليجية، تشاطرها العداء ذاته للإخوان، ولا تشاطرها الموقف ذاته، وبذات الدرجة من الحدة، حيال إيران.

في كل الأحوال، ما كان يليق بالدول العربية عموماً، والكبرى منها على نحو خاص (مصر مثلاً) أن تسارع إلى تبني الرواية الأمريكية حول ما جرى في خان شيخون من دون تمحيص، سيما وأن ذاكرتنا ما زالت تعج بالأكاذيب الأمريكية – البريطانية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحول احتضان نظام صدام حسين للقاعدة ... ما فعله مندوب بوليفيا في مجلس الأمن، يذكرنا بأن الحقيقة لا تسير دائماً في ركاب لندن وواشنطن، وإن إدارتي البلدين زمن تلك الحرب، تصرفتا كقيادة لعصابة إجرامية، أو منظمة مافيا، وليس لدول تفاخر بسيادة القانون والشفافية وحقوق الانسان والديمقراطية.

لا يعني ذلك للحظة، دفاعاً عن الأسد ونظامه، فهؤلاء قبل خان شيخون والمؤكد أنهم بعده، اقترفوا وسيقترفون من الجرائم بحق شعبهم، ما يندى له الجبين ... لكن من الواضح تماماً أن أحداً لا يريد التحقق والتحقيق – ربما لأنه يخشاه – كما قال نائب المندوب الروسي في مجلس الأمن، وكم كان حرياً بالمجموعة العربية وجامعتها، أن تأخذ زمام المبادرة، وأن تعرض القيام بتحقيق عربي – دولي، نزيه وشفاف، فإن كان النظام مذنبا، حلت عليه لعنة الضحايا الأبرياء، وإن كان هناك من نصب فخاً محكما، بهدف قطع الطريق على التحولات في المواقف السياسية والميدانية التي سبقت الجريمة، استحق القصاص العادل.

لكن العرب للأسف، شعوباً وحكاماً، هذه المرة، أطلقوا مفاعيل نظرية القطيع، فارتدت غالبياتهم إلى محاورها وطوائفها ومذاهبها وقبائلها، وبدل أن ينصرفوا لوضع حد لما ينخر في جسدهم المريض والمعلول، رأيناهم يستمطرون شآبيب الكروز من عند دونالد ترامب، ولا بأس إن جاءت من نتنياهو كذلك، العضو المرشح لعضوية النادي العربي، ما أن تنطلق عجلة "الحل الإقليمي" التي يعمل ترامب على تجهيزها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة إذ تغرد سورياً خارج سرب الاعتدال العربي القاهرة إذ تغرد سورياً خارج سرب الاعتدال العربي



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:08 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
المغرب اليوم - فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 10:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية
المغرب اليوم - شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

إليك كيفية وضع المكياج الخفيف للمحجبات

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجوافة في تجنب التهابات المعدة

GMT 14:31 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

الفنانة المغربية سلمى رشيد وهيثم مفتاح يقفزان من السماء

GMT 00:44 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

شواطئ ساحرة حول العالم لعطلات الصيف

GMT 10:11 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

يحيط منزله بسور مصنوع من هواتف (آيفون)

GMT 11:07 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ترسيم الحدود البحرية يعترض صفقة عسكرية بين المغرب وإسبانيا

GMT 12:15 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بدر هاري بعد نزال القرن أظهرت للعالم أنني مازلت الأقوى

GMT 16:08 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنزاجي يعلن تشكيل لاتسيو أمام يوفنتوس في السوبر

GMT 18:48 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ضابط شرطة يفارق الحياة في طريقه لصلاة الفجر في بني ملال

GMT 10:52 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الأسترالي يقول كلمته بعد اغتصاب وقتل فتاة عربية

GMT 21:52 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نورا أريسيان توقع "تقاليد الفقراء" في معرض الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib