دروس هبّة الأقصى الأهم

دروس هبّة الأقصى الأهم

المغرب اليوم -

دروس هبّة الأقصى الأهم

بقلم - عريب الرنتاوي

ظهّرت هبّة الأقصى الأخيرة، حيث نجح الفلسطينيون في كسر إرادة نتنياهو وحكومة اليمين واليمين المتطرف، الدور الحاسم الذي يمكن للجموع الشعبية الغفيرة أن تلعبه في تغيير الصورة والموقف، بل وفي قلب المعادلات والتوازنات في نهاية المطاف ... وتعطي الهبّة صدقية أكبر لمفهوم المقاومة الشعبية السلمية، وأثره الأخلاقي والقيمي، واستتباعاً السياسي، بعد أن ظل هذا المفهوم عرضة للتجاذبات (والمزايدات) بين مختلف الأطراف، ومقاربة يتداولها الأفرقاء بحذر بالغ.

هنا والآن، نحن لا نتحدث عن حق الشعب الفلسطيني غير المنقوص، في ممارسة مختلف أشكال النضال، ومن ضمنها الكفاح المسلح ضد الاحتلال، فهذا أمرٌ حسمته الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقتها، وأعادت تأكيده حركتا حماس والجهاد الإسلامي لاحقاً، وكفلته مختلف القوانين والشرائع السماوية والوضعية على حد سواء.

هنا والآن، نحن بصدد المفاضلة بين مروحة واسعة من الخيارات المتاحة أمام الشعب الفلسطيني، والمفاضلة تتقرر حصراً في ضوء توازنات القوى المحلية والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الوطنية لهذا الشعب، وجميعها تصب لصالح تدعيم خيار المقاومة الشعبية السلمية، المعتمدة على قوة الجموع وطاقاتها الهدّارة التي لا رادّ لها.
هبّة الأقصى، أكدت درس الربيع العربي الأول، قبل أن يتعرض هذا الربيع للاختطاف والانتكاس في بعض دوله، فالتظاهرات المليونية التي عمت الشوارع وغطت الميادين، أطاحت بنظم الاستبداد والفساد، نظم التمديد والتجديد والتوريث، ووضعت حداً لحالة من الركود والاستنقاع استمرت لأكثر من أربع عشريات من السنين، والأهم أن ذلك حصل بأقل كلفة ممكنة.

وهبّة الأقصى تؤكد درس الربيع الثاني الذي بدأ مع دخول ثورات الشعوب السلمية على خط “العسكرة” و”التسلح”، فحصدت أوخم النتائج وأفدح العواقب ... قوة الهبّة في جماهيريتها وسلميتها، ولو أن نفراً قليلاً من بين ألوف المتظاهرين والمرابطين في المسجد وأكنافه، لجأ إلى الرصاص والعبوات الناسفة، لما كانت الهبّة، ولما كُتب لها الانتصار، ولما حدث التحوّل في المزاج الدولي العام، ولما وجد نتنياهو نفسه في أضيق زوايا الحرج والانكسار، ولما تنافح قادة عرب لتبني نصرٍ صنعه شعب فلسطين وأهل على القدس على نحو خاص.

قبل الهبّة بساعات، شهد المسجد عملية جريئة، راح ضحيتها ثلاثة شبان من بلدة أم الفحم، وكانت “المبرر” الذي دفع نتنياهو لإخراج مشاريع “إسقاط الأقصى” من أدراجه ... لم يتقدم أحدٌ غير بعض الفصائل والأطراف، لمباركة العملية وتبريكها، بل ولم يعلن احدٌ مسؤوليتها عنها، فكانت أشبه بـ “العملية اليتيمة” ... بعد الهبّة، ومع نجاح الفلسطينيين في انتزاع حقهم في مسجدهم بصدورهم العارية، ظهر لنصرهم مائة أب وأم ... لم يعد أحد يتحدث عن العملية الفدائية، وبات الجميع يتغنى بنساء القدس ورجالاها وشيبها وشبانها وأطفالها الذين رابطوا وصابروا وقاوموا وانتصروا.

لم يأبه أحد بالتصريحات النارية المهددة بردود “مزلزلة” التي تكاثرت في بازار التنافس والمزايدات الفصائلية ... الأنظار كانت متسمرة على الحشود، فكلما ازدادت أعداد المنخرطين في صفوفها، كلما ارتفعت وتيرة الأمل بالنصر، حتى وإن في معركة تكتيكية ضد الاحتلال ... ولنا أن نتخيل سيناريو يتحرك في سياقه مئات ألوف المتظاهرين في مختلف المدن الفلسطينية، جماهيرياً وسلمياً، ضد المستوطنات والجدار وسياسات التهويد والابتلاع ونصرة للأسرى والمعتقلين ... لنا ان نتخيل القوة الأخلاقية والسياسية الجبارة التي يمكن أن تنبعث من بين الحشود، وما يمكن أن تخلفه بديمومتها واستمرارها، من تحولات في المزاج العام والمواقف والسياسات فلسطينيا وعربياً ودولياً وحتى إسرائيلياً.
هبّة الأقصى بروفة لما يمكن أن يكون عليه طريق النضال في المرحلة القادمة، لكن إعادة انتاجها وعلى نطاق أوسع ومستدام، يستلزم وحدة موقف فلسطيني، بعيداً عن المزايدات والشعاراتية المفرغة من أي مضمون ... صحيح أن شعباً لا يستطيع أن يقضي حياته في الشوارع والميادين، لكن عملاً جماهيرياً منظما وموحداً، وقيادات ميدانية مشتركة في مختلف المدن والقرى، لا تقتصر على الفصائل، وبرامج زمنية للاحتجاج والانتفاض كفيلة بأن تحدث فرقاً، وأن تقلب الطاولة على رأس الاحتلال، ودائماً بأقل قدر من الكلف والتضحيات.

على ملعب المقاومة الشعبية السلمية، يبدو الفلسطينيون في موقع القوة والسيطرة، ولهم الغلبة ... في ساحات الرصاص والقنابل والمتفجرات، تنقلب المعادلة في غير صالحهم ... والحكمة تقتضي أن نخوض الصراع مع الاحتلال على ملعبنا وليس على ملعبه ... الحكمة تقتضي اقتراح أشكال للنضال متناسبة مع خصائص المرحلة وشروطها، وتجديد الحرص دائماً وفي كل الظروف، على ما يمكّن الشعب الفلسطيني من البقاء في وطنه والصمود فوق ترابه، فالنكبة الفلسطينية لم تكن في احتلال الأرض بل في تهجير سكانها الأصليين، وهذا درس ثالث، نشتقه من تجربة مائة عام من النضال في سبيل الحرية والاستقلال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس هبّة الأقصى الأهم دروس هبّة الأقصى الأهم



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط - المغرب اليوم

GMT 06:47 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
المغرب اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 06:55 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
المغرب اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 13:53 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

لجين عمران تروج لماركة حقائب شهيرة

GMT 17:42 2023 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

أفكار جديدة لديكورات غرف المكاتب المنزلية

GMT 05:48 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

تعرفي على "الصيحة" الأكثر رواجاً لتصاميم مطابخ 2019

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

أفكار لاستخدام "أسرّة الأطفال" في المساحات الصغيرة

GMT 20:54 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

عزيز بوحدوز يطلب من الجمهور المغربي أن يسامحه

GMT 07:34 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

كوكو شانيل تبيّن حبها المتجدد لتصميم المجوهرات

GMT 02:49 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

ساو باولو البرازيلي يودع الحارس الأسطورة روجيريو سيني

GMT 14:13 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

الأمير سليم يعلن خطبته على حبيبة مهند السابقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib