بقلم ـ عريب الرنتاوي
صراع المحاور على “الورقة الفلسطينية” لا يهدأ ولا يتوقف، ولا يبدو أنه، برغم طابعه الصامت، يعرف أي نوع من “الهدنات” و”التهدئات” ... فما أن نجح محور “الرباعية العربية” في إطلاق مسار المصالحة الوطنية توطئة لمبادرة ترامب، حتى تحركت المحاور الأخرى لتحشيد قواها وجمعها أوراقها، في جهد يرمي لتعزيز حضورها وقطع طرق الاستفراد والتفرد بهذه الورقة على المحور المذكور.
محور تركيا – قطر، لا يبدو مرتاحاً أبداً للخطوات الأخيرة التي خطتها حماس على طريق التقارب مع مصر والتقرب من “الرباعية العربية” ... وقبلها، ارتفع منسوب القلق لدى العاصمتين الحليفتين، الدوحة وأنقرة، جراء تدخل القاهرة وأبو ظبي لإنجاز “تفاهمات” دحلان – حماس، وتواتر المعلومات في حينه عن غزل صامت بين غزة وأبو ظبي يجري تحت الطاولة، ودائماً عبر قناة الدحلان.
مشكلة هذا المحور، أن دوره الإقليمي يتآكل، بعد سقوط رهانه الرئيس على الإسلام السياسي العربي (الإخواني بخاصة)، وانتقاله إلى خندق الدفاع بعد أن ظل في الخنادق الأمامية للهجوم، طيلة سنيّ الاضطراب التي صاحبت ورافقت ثورات الربيع العربي وانتفاضاته ... الدوحة تعيش أسوأ مراحل العزلة والحصار، وهي تخشى استهدافها بمشروع “تغيير النظام” بدل “تغيير السياسات”، فيما دور تركيا الإقليمي ينكمش في سوريا والعراق والإقليم عموماً، بعد النكسات المتلاحقة التي تعرضت لها السياسة الخارجية التركية في الأعوام الثلاثة الفائتة.
في المقابل، تعمل طهران وحلفاؤها بنشاط وكثافة على منع انزلاق حماس في أحضان المحاور الإقليمية الأخرى، وهي في مسعاها هذا، تراهن على خلافات حماس الداخلية، أو حتى لعبة “توزيع الأدوار” بين أجنحتها وقياداتها ... استقبلت مؤخراً بكثير من الحفاوة، زعيماً نشطاً تولى سدة قيادة الحركة في الخارج من موقع الرجل الثاني في الحركة: صالح العاروري...وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، استقبله في لقاء نادر في السنوات الأخيرة بين الحركة والحزب... ووسائل إعلام هذا المحور، تهلل وتكبر لـ “عودة الابن الضال”، وتروّج لمقولة: إن الحركة التي انطلقت من “محور المقاومة”، تعود إليه، في إشارة إلى “مكانها الطبيعي” على خريطة التحالفات والمحاور التي تشق الإقليم.
مشكلة هذا المحور، أنه لا يعرف حماس حق المعرفة، أو ربما يعرفها ولا يريد أن يبني على هذه المعرفة مقتضاها، مع أن الحركة في السنوات الخمس الفائتة، وجهت أكثر من “لطمة” لهذا المحور، بدءاً من انتقالها من موقع التحالف مع دمشق إلى خندق العداء لها والحرب عليها، مروراً بتنقلاتها الخفيفة بين عواصم الإقليم، وبحثها المستميت عن روابط وتحالفات مع عواصم عربية، تكن أشد مشاعر العداء لطهران ودمشق والضاحية الجنوبية.
رهانات هذا المحور على حماس، لا تنسجم أبداً مع سعي الحركة “للتكيف” مع مقتضيات السلطة التي لم تتخل عنها فعلياً في غزة، وتتعارض مع تطلع الحركة للتغطي برداء المصالحة والتحلل من أوزار وأعباء المسؤولية عن مليوني فلسطيني تحت الحصار والتجويع ... الحركة قطعت أشواطاً على طريق التكيف مع مقتضيات الانتقال للعمل السياسي، برعاية قطرية – مشتركة، بدلالة وثيقتها الأخيرة، ومشوارها يتسارع اليوم، بقوة دفع مصرية ورعاية من لدن “عرب الاعتدال” ... كيف سيتصرف هذا المحور مع وجوه حماس المتعددة؟... وإلى حد ستنجح الحركة في الجمع بين متناقضات المشهد الإقليمي؟ سؤالان مفتوحان لا يمكن الجزم بأي إجابة قطعية عليهما.
قبل عدة أشهر، احتدم صراع المحاور على “الورقة الفلسطينية”، من محاولات عزل عباس وفرض الدحلان وفريقه على القيادة الفلسطينية في رام الله، مروراً بمحاولات عزل حماس وشيطنتها ... وانتهاء بمحاولات جذبها وإبعادها عن الدوحة عبر قناة “الدحلان” والتفاهمات المستهجنة التي أبرمتها الحركة معه ... ولقد بلغ هذا الصراع ذروته في المؤتمرات المتزامنة التي جرى تنظيمها في الربع الأول من العام الجاري في “الخارج” برعاية ودعم وتمويل من قبل هذه المحاور: مؤتمرات “العين السخنة ولندن” لجماعة الدحلان ... مؤتمر إسطنبول بحضانة تركية وتمويل قطري ... ومؤتمر القدس السادس للفصائل والشخصيات المقربة من إيران والمحسوبة عليها.
اليوم، يستمر هذا الصراع بأشكال وأدوات أخرى، صحيح أن محور “الرباعية العربية” الذي يبدو أنه أغلق ملف الدحلان إلى حين دون أن يمزقه، مفضلاً العمل على خط رام الله - غزة، قد حقق اختراقاً في الاونة الأخيرة، إلا أن المحاور الأخرى، لم ترفع الراية البيضاء بعد، ولم تتوقف عن القيام بمحاولاتها التخريب على بعضها البعض، وحجز موطئ قدم على الساحة الفلسطينية، التي تحولت بدورها إلى ساحة من ساحات “حروب الوكالة” المندلعة في الإقليم، وإن بأدوات ووسائل ناعمة حتى الآن.