بقلم - عريب الرنتاوي
وفقاً للتقرير الإحصائي الجنائي لعام 2016 الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية، فإن أعداد الجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العام زادت بمعدل 22 بالمائة، لتصل إلى 1536 جريمة في العام الفائت بعد أن كانت 1255 في العام الذي سبقه ... من بينها 138 جريمة اغتصاب و982 جريمة هتك عرض، وبما يزيد عن ثلاث جرائم هتك عرض واغتصاب يومياً.
ويفقد الأردن ما معدله شخصين أو ثلاثة أشخاص في حوادث مرورية، ترجع معظمها إلى أسباب تتعلق بانعدام أخلاق سائقي المركبات العامة والخاصة على حد سواء، ومن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.
أما أطرف ما قرأت عن العنف الجامعي فقد جاء منسوباً للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، وفيه أن الأعوام 2010 – 2013 شهدت على وقوع 296 مشاجرة جامعية، بمعدل يزيد عن ست مشاجرات في الشهر الواحد، شارك فيها أربعة آلاف طالب (نواة جيش عرمرمي)، معظمهم من ذوي التحصيل الأكاديمي المتدني، تم تعليق الدراسة في 41 منها لمدة يوم واحد، وثمانية مرات لمدة تقل عن أسبوع وخمس مرات لمدة تزيد عن الأسبوع.
ويفقد الأردن مواطنين أو ثلاثة مواطنين في الأسبوع نتيجة تزايد حالات الانتحار، أما المحاولات المسجلة وغير المسجلة فهي أكثر من ذلك بكثير، وغالباً ما تتركز في فئة الشباب من الشريحة 20-30 عاماً، وتتمركز أساساً في المدن الكبرى، عمان، إربد الزرقاء والبلقاء.
عن حالات التحرش الجنسي في الشوارع والأزقة والطرقات، حدث ولا حرج، حتى أنه بات يمكننا القول إن شوارعنا لم تعد آمنة للنساء، مهما تفاوتت أعمارهن واختلفت ملابسهن ... لا تنجو محجبة ولا منقبة، كبيرة أو صغيرة، مراهقة أو ناضجة، كل انثى هدف للألسنة القذرة وأحياناً لما هو أبعد من ذلك، إلا من رحم ربي.
عن العنف اللفظي بين المواطنين، حدث ولا حرج أيضاً، فما أن يزدحم المرور أو تفتح إشاراته، حتى تنهال الصحيات بالسباب والشتائم وتخرج الأصابع والقبضات من نوافذ السيارات ... وما أن يصطف أربعة أو خمسة في طابور فرن أو مصرف، حتى تجد شيئاً مماثلا.
العنف الأسري ظاهرة قائمة بذاتها، تطبع العلاقة مع كثير من الأزواج بزوجاتهم، أو بأبنائهم، والإخوة بأخواتهم، وهو عنف لفظي وجسدي على حد سواء، ويجري التعامل معه بوصفه ضرباً من تحصيل الحاصل، ونوعاً من ممارسة الحقوق الطبيعية في “القوامة” أو تعزيزاً لدور “الذكر” في حفظ أسرته وصون شرفها وحفظ تسلسلها القيادي، وبالطبع بين ذكورها حصراً.
عن المخدرات، خصوصاً الطبعات الشعبية الرخيصة والمدمرة منها على وجه الخصوص، لا نكف عن قراءة التقارير والأخبار التي تصف نتائجها الكارثية على جيل ناشئ، لم يجد ما يملأ به فراغ وقته وعقله، حتى ملأه بشتى أنواع السموم... لم يعد الأردن بلد ممر للمخدرات، بل بات بلد مقر لها، وأخشى أن ننتقل من الاستيراد والاستهلاك إلى الإنتاج والتصدير وإعادة التصدير كذلك.
كل هذا، وأكثر منه بكثير، نعرفه تمام المعرفة، ولقد أمضينا أياماً وأسابيع في لقاءات وندوات ومحاضرات حول أسباب تفشي هذه الظواهر، التي كلما أكثرنا من التحذير من خطرها، ازدادت تفاقماً، وكلما عبرنا عن العزم والحزم على مواجهتها، تقافزت أعداد ضحاياها، لكأننا في حلقة مفرغة لا فكاك منها ولا قدرة لنا على كسرها.
لكن أكثر ما بات يغيظني على المستوى الشخصي، هي حالة الانكار التي يعيشها كثيرون منا، ومنهم من هو في موقع المسؤولية السياسية والاجتماعية والدينية، وقولهم الساذج وغير البريء أحياناً، بأن هذه الظواهر غربية عن أخلاقنا ومجتمعاتنا وتراثنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا ... فمن أين جاءتنا إذاً، وكيف نفسر هذا الانتشار الجنوني لمؤشر الجريمة بمختلف أنواعها في مجتمعنا؟
نفس المنطق (أو بالأحرى اللا-منطق) نسمعه، عندما يتصل الأمر بحركات الإرهاب ذات المرجعية أو الغطاء الدينيين ... يقال إن تاريخنا وموروثنا وديننا الحنيف، براء مما يفعلون، وهم فعلوا ما يفعلون بتبرير ديني، وبحوافز دينية، لم يجرؤ أي من المتشدقين منا، على التصدي لهم في صميم الفرضيات المؤسسة لخطابهم، فهم يقرأون من الصفحة ذاتها، ويستندون إلى وقائع التاريخ ذاته، لنصل وإياهم إلى نتائج مفارقة.
لم يهبط المجرمون والمنحرفون وذوي الأخلاق الساقطة علينا بـ”البراشوت” من كوكب آخر، ولم يهبط القتلة باسم الدين علينا بمركبة فضائية من المريخ أو زحل، هؤلاء أبناؤنا وبناتنا، هم نتاج بيئتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هم حصاد زرعنا عبر السنوات والعقود المديدة، هم الثمرة المرة لتقاعسنا عن تنقيح تراثنا وإصلاح خطابنا الديني، هم التعبير عن فشل سياسات حكوماتنا المتعاقبة محلياً ونظمنا السياسية إقليمياً ... هم منّا ونحن ومنهم، ومن دون أن نقر بهذه الحقيقة، سنظل لاهون عمّا ينتظرنا من مهام وتحديات، وسنبقى نبحث عن الحل خارجنا، مع أنه كامن في دواخلنا، وعلينا أن نجرؤ على خوض مجازفة الحل، بدءاً بالاعتراف بالمسببات الداخلية لهذه الظواهر.