بقلم : عريب الرنتاوي
حضرت إسرائيل بقوة في قمة هلسنكي، وغابت فلسطين عن مداولاتها ... أمن إسرائيل كان موضع التزام مشترك بين روسيا والولايات المتحدة، ومن مدخلين رئيسين: برنامج إيران النووي المتفق على إبقائه سلمياً وتحت «الحراسة المشددة»، سوريا والجبهة الجنوبية بخاصة، وتحديداً لجهة إبعاد الوجود والإيراني و»الرديف» إن لم يكن من جميع الأراضي السورية، فمن جنوب دمشق إلى الحدود، حتى أن موسكو بدأت تتحدث علناً عن دور إيراني سياسي واقتصادي في سوريا، بديلاً عن دورها العسكري.
ولا أحسب أن أياً من الزعيمين، كان معنياً بالدخول في سجال مع الآخر، حول موضوع القدس و»صفقة القرن» والحل النهائي للقضية الفلسطينية ... ترامب لديه خطة، يريد أن يبقيها قريبة من صدره حتى الآن، ولم يًطلع على تفاصيلها أحداً غير الإسرائيليين، وبوتين يدرك أن لديه هامشاً ضيقاً للمناورة وحرية الحركة في هذا الملف ... بوتين سيد اللعبة في سوريا، وترامب سيد اللعبة الفلسطينية الإسرائيلية.
في ظني أن إسرائيل، وإسرائيل أساساً حتى لا نقول وحدها، هي من وقف وراء سحب الملف الفلسطيني من على مائدة القمة في هلسنكي ... فهي لا تريد للاحتكار الأمريكي لعملية السلام، وساطة ورعاية، أن ينكسر، وهي لا تريد شريكاً للولايات المتحدة في هذه العملية، خصوصاً بوجود إدارة مثل إدارة ترامب، قدمت لليمين الإسرائيلي المتطرف، جُلّ ما يريده ويتطلع إليه.
صحيح أن إسرائيل تنظر بارتياح لدور روسيا في سوريا، بل وتستعجله، لكن الصحيح كذلك، وبدرجة أكبر، أن إسرائيل، لا تريد دوراً روسياً في فلسطين ... وحين يتعلق الأمر بمصالح إسرائيل وحساباتها، لا يوجد موقف أمريكي مستقل... الموقف الأمريكي من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو الموقف الإسرائيلي، ولا شيء غيره.
قد يكون الزعيمان أبديا استعداداً لفظياً للعمل المشترك لحل النزاعات الإقليمية والدولية، ومن ضمنها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكن ثمة فجوة في مواقف البلدين، لا تسمح بالتكهن بإمكانية حصول توافق بينهما على معالم ومعايير الحل النهائي لهذه المسألة ... ترامب يرغب بأن يقترن حلٌ كهذا باسمه شخصياً، وباسم إدارته، وهو بحرصه على عدم إشراك بوتين وتجاهله للرباعية الدولية، إنما يستجيب لأعمق المصالح الإسرائيلية.
لكن ذلك لا يعني أن «باب التعاون» بين الدولتين الكبريين في هذا الملف، قد أٌغلق تماماً ونهائياً، فأمام الرفض الفلسطيني لإجراء أية اتصالات مع الجانب الأمريكي، تبدو صفقة القرن في حالة ترنح، تحتاج معها الإدارة الأمريكية لوسطاء إقليميين ودوليين لتذليل عقبة الرفض الفلسطيني لهذه المبادرة وما يترتب عليها، وهي – واشنطن – إذ تلجأ لأطراف عربية (مصر والسعودية بخاصة) لتحقيق هذا الغرض، إلا أنها قد تجد نفسها مدفوعة لطلب «العون» من موسكو.
ولقد رأينا موسكو تستضيف في الأسابيع الأخيرة، سلسلة من الوفود الفلسطينية، من بينها الرئيس محمود عباس ووفد رفيع من قيادة حماس، وممثلين لفصائل أخرى، يُعتقد أن البحث في هذه الزيارات، اشتمل على إجراء استطلاع للمواقف حيال عناوين عدة، من بينها المصالحة الفلسطينية ووضع قطاع غزة، ومستقبل عملية السلام، بعد التعقيدات التي أضفاها عليها، قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
ومن المعروف أن السلطة الفلسطينية التي تتهم واشنطن بفقدان الأهلية السياسية والأخلاقية، للاستمرار في دور الوسيط والراعي لعملية السلام، دعت لـ»آلية دولية» جديدة للوساطة، تنبثق عن مؤتمر دولي للسلام، وهي دعوة وجدت فيها روسيا مدخلاً لتجديد حضورها في هذا الملف، لكن الموقف الإسرائيلي الرافض لفكرة المؤتمر الدولي و»الآلية الجديدة»، سيظل يشكل العقبة الكأداء أمام الفلسطينيين والروس وأي فريق دولي يريد الانخراط في المساعي المبذولة لإنقاذ هذه العملية.