عريب الرنتاوي
ستتولى السعودية، بموجب تفاهمات فيينا حول سوريا، الدعوة لعقد مؤتمر جامع للمعارضة السورية، لتنسيق موقفها وتوحيد كلمتها، واختيار من سيمثلها في المفاوضات مع وفد النظام، الذي سبق للموفد الأممي أن تسلم لائحة بأسماء 40 عضواً فيه.
ولكي لا يتحول “المؤتمر السوري الجامع” إلى صورة مستنسخة عن “المؤتمر الوطني اليمني” الذي استضافته الرياض أيضاً، وكان مؤتمر “اللون الواحد”، فإن الحكمة تقتضي توجيه الدعوة لجميع الأطراف السورية المعارضة، في الداخل والخارج، من دون استثناء، ومن دون الخضوع لـ “دفتر شروط”، وإلا صار مؤتمر الرياض، عقبة على “طريق فيينا 3” بدل أن يكون تمهيداً له.
وحين نتحدث هنا عن مشاركة جميع أطياف المعارضة،فإننا نعني مشاركة حقيقية وتمثيلاً متوازناً ... فلا يجوز على سبيل المثال، أن يتمثل المعارضون للمقاربة السعودية، رمزياً في المؤتمر، فيما الفصائل السياسية والعسكرية الموالية والممولة، تحضر بما يفوق وزنها أو تمثيلها على الأرض.
ومثلما اعتمد الأردن معيار “قبول المشاركة في العملية السياسية أو رفضها” كأساس مبدئي لولوج عملية فرز غث الجماعات المسلحة عن سمينها، فإن هذا المعيار يصلح بدوره أساساً لانتقاء الفصائل السياسية والعسكرية المدعوة لمؤتمر الرياض في الطريق إلى “فيينا 3”، أما ما الذي ستدلي به الأطراف من مواقف وسياسات، فهذا متروك للسوريين وحدهم، ولا يجوز وضع “المسطرة السعودية” أساساً للمشاركة والتمثيل في المؤتمر ومقياساً لـ”تصنيع” وفد المعارضة المفاوض الذي سينبثق عنه.
سمعنا حتى الآن، أن التوجه السعودي سيشمل معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق أساساً، لا ندري ماذا عن بقية القوى المنضوية تحت هذا العنوان، وسمعنا أيضاً أن جماعة “مؤتمر القاهرة” مدعوة للمشاركة في مؤتمر الرياض، والأمر قد ينسحب على أسماء وشخصيات ومكونات أخرى عديدة، لا نعرف من هي حتى الآن، لأن رقاع الدعوة لم توزع بعد على الأطراف المدعوّة.
لا ندري إن كانت الدعوات ستشمل أحرار الشام وجيش الإسلام، هذان الفصيلان المحسوبان على محور الرياض – أنقرة – الدوحة، تعتبرهما أطراف عديدة، فصائل إرهابية وإجرامية بامتياز ... لا ندري إن كانت مرجعية فيينا واللقاء الروسي الأمريكي، التي تتحدث عن سوريا الغد كدولة تعددية علمانية، ستشجع هؤلاء على المشاركة أو ستدفعهم إلى المقاطعة ... لا ندري كيف سيكون مواقف دول عربية عديدة، من بينها مصر والأردن والإمارات التي تحتفظ بمواقف متشددة من عديد الحركات الإسلامية المسلحة، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تريد ترك الملف للسعودية وحدها، وربما لهذا السبب جاء جون كيري إلى أبو ظبي، واجتمع هناك بعادل الجبير وعبد الله بن زايد، أما البحث فتركز على المعارضة السورية، من هي، وكيف يمكن جمعها حول مائدة واحدة، وكيف يمكن ضمان آليات السيطرة والتحكم بمسار التفاوض اللاحق، وكيف يمكن إدارة هذه العملية بمجملها ... من الواضح أن واشنطن تريد إسهاماً إماراتياً إلى جانب الدور السعودي، في إعداد وترتيب بيت المعارضة السورية الداخلي، وربما لهذا السبب بالذات، قد تشهد الإمارات، سلسلة اجتماعات تمهيدية تسبق مؤتمر الرياض منتصف الشهر القادم، لغايات “الغربلة” و”التنخيل” والتأكد من ميل ميزان القوى في صفوف المعارضات لصالح محور بعينه.
وليس مستبعداً أبداً، كما أشار ديمستورا تلميحاً، أن تُعقد مؤتمرات أخرى للمعارضات السورية في عواصم أخرى، سيما أن أخفق مؤتمر الرياض، في توحيد كلمة المعارضة وصفوفها، أو أن شعر معارضون بأن تعرضوا لتهميش منهجي منظم على خلفية سياسية، أو في حال شعرت عواصم إقليمية ودولية، أن حصتها من كعكعة المعارضة، ليست مناسبة ... كل هذا سيتضح بعد مؤتمر الرياض، بل ربما قبله أو في الطريق إليه.
روسيا لديها قوائمها الخاصة بالمعارضة المقبولة والمرغوبة ... هناك في المعسكر الآخر من يرى بأنه لا يحق لموسكو أن تأخذ حصتها في الكعكعة السورية مرتين، إذ يكفيها أن لديها القدرة على إدارة وفد النظام والتحكم بسقوف مواقفه، فهل سيُسمح لها بالمشاركة في إدارة وفد المعارضة والتحكم بسقوف قراراته أيضاً، في ظني أن معركة حقيقية ستدور قبل أن نرى دخاناً أبيض يتصاعد إلى السماء من فوهة المدخنة السعودية.