قمة النصف يوم وقراراتها المسبقة

قمة النصف يوم وقراراتها المسبقة

المغرب اليوم -

قمة النصف يوم وقراراتها المسبقة

بقلم : طلال سلمان

يلتقي اليوم في «خيمة» نواكشوط، عاصمة موريتانيا، على الحد الفاصل بين «العرب» و «الأفارقة»، عند المحيط الأطلسي، قلة من القادة العرب ومعهم العديد من الوزراء كممثلين للمتغيبين الكثر عن القمة العربية السابعة والعشرين.

لن تستغرق القمة من الوقت ما احتاجته طائراتهم الملكية للوصول إلى تلك البلاد العربية المنسية، في ظل فقرها وحكم العسكر وأحزاب ماضي النهوض العربي (الناصريون، البعث، الشيوعيون...) كمعارضين دائمين.

ولسوف يتبارى بعض القادمين من أقطار المشرق (العراق والسعودية ومشيخات الخليج، في غياب سوريا الأموية) في التوكيد على صلة النسب التي تجمعهم إلى أهالي هذه الدولة العربية المنسية في قلب صحراء فقرها، والذين يرون أنفسهم من بني حسان، ومن قبائل مكتل التي زحفت إليها مع الهلاليين وبني سليم أيام الخلافة الفاطمية...

بالمقابل، سوف يستذكر بعض ضيوفها من المسؤولين العرب أن موريتانيا هي بلد الانقلابات العسكرية التي تشكل معظم تاريخها الاستقلالي (منذ أواخر العام 1960) حائزة على اعتراف «جارها الكبير» المغرب... ولكنها لم تدخل الجامعة العربية إلا في العام 1973، ثم توالت فيها الانقلابات العسكرية بعد إطاحة رئيسها الأول مختار ولد داده، الذي جدد ولايته 4 مرات من موقعه كقائد لـ «حزب الشعب».

وقد يستذكر البعض الآخر أن هذه الدولة التي تعيش في قلب الفقر قد اندفعت إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، على مستوى قائم بالأعمال كان مقره في المكتب الإسرائيلي في قلب سفارة إسبانيا في نواكشوط... ثم رفعت العلاقة إلى سفارة في العام 1999... وبهذا لن يجد فيها الأمين العام (الجديد) لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط من يسأله فيسائله عن علاقته مع العدو القومي للأمة.

ولأن العرب قد باتوا «عربَين» أو أشتاتا من الدول ذات الهوية الواحدة، مبدئياً، وذات السياسات المتناقضة إلى حد الحرب في ما بينها، عملياً، فلن يهتموا كثيراً بالأوضاع الداخلية التي شهدت في تاريخها الاستقلالي انقلابات عسكرية عدة، آخرها الذي أوصل الرئيس الحالي إلى سدة الحكم.

في أي حال، فإن قلة من ملوك العرب والأمراء والرؤساء سيشاركون في هذه القمة التي «هرب» منها المغرب فقدمها كهبة ملكية إلى هذه الدولة الفقيرة التي اضطرت لإقامة خيمة كبيرة ليلتقي فيها من يحضر من «القادة العرب»، الذين رفضوا أن يبيتوا فيها، وستظل محركات طائراتهم شغالة حتى الانتهاء من تلاوة البيان الختامي... وهو، بأي حال، سيكون تكراراً لبيانات قمم سابقة، عربية وإسلامية، مع إضافة جمل مذهبة بإدانة «حزب الله» كتنظيم إرهابي (أو اقله تنظيمه العسكري، كأنما ثمة فرق بين المدنيين والعسكريين من المجاهدين فيه...).

لن يحتاج «إقناع» قيادة موريتانيا الفقيرة والمنسية في آخر الأرض العربية، بالانضمام إلى المعسكر المذهب، إلى الكثير من الشرح والتبرير، فالأكثرية الملكية حاضرة، والأقلية الجمهورية لن تستخدم حق الفيتو. وربما تميزت مواقف الجزائر والعراق ولبنان وتونس بتسجيل اعتراضها.

لا مجال الآن لاستذكار التاريخ، والاضاءة على حقيقة ان الموريتانيين (الذين كانوا بعض العرب) قد ساهموا في فتح الاندلس، وان اسم بلادهم يتضمن لفظة «المور» التي احتلت في الثقافة الغربية، والفرنسية خاصة (حتى لا ننسى «لو سيد») موقع «العدو» انطلاقاً من دورهم الاندلسي.

في أي حال، ستكون الجمهوريات العربية شاحبة الحضور في هذه القمة التي يحتل صدارتها الملوك والامراء والشيوخ المذهبون، والتي تنعقد في افقر دولة عربية بالمطلق، والتي استطاعت إسرائيل ان تدفن في أرضها الصحراوية الشاسعة بعض نفاياتها الذرية في العام 1996.

وغني عن البيان ان القمة الجديدة لا تنتمي إلى تاريخ الفتوحات العربية، بل لعلها تشكل امتداداً لانحسار الوجود العربي الفاعل، وانعدام المحاولات لإعادة توحيد الصف العربي في مواجهة المخاطر التي تتهدد العرب في وجودهم كأمة... فإضافة إلى تغييب سوريا بالأمر (الملكي) وغياب ليبيا التي لها أكثر من حكومة، يحضر العراق المشغول بهمومه المصيرية الثقيلة التي تكاد تذهب بدولته وبهويته القومية، ويحضر رئيس حكومة لبنان البلا رئيس والذي «اعتذر» بعض وزرائه (ومنهم المعني مباشرة) عن عدم الحضور، بلا أي تبرير مقنع.

تبقى مصر التي لما تنجح قيادتها في استعادة دورها الذي كان (ومن بين عناوينه ابتداع القمة العربية السنوية لمواجهة المشروع الإسرائيلي أساساً) لجمع ما تفرق من دولها بسبب الخلافات التي لا تنتهي بين قياداتها.

هي قمة النصف يوم، في دولة ضائعة بين الصحراء البلا حدود والمحيط الأطلسي الذي يربط بين القارات ولكنه اضيق من ان يتسع للخلافات العربية ـ العربية وبين دول تكاد تكون جميعاً مهددة في مصيرها.

.. لكنها قد تلهم الموريتانيين والموريتانيات، وجلهم شاعر، ديوانا جديداً عن قمم التنازلات العربية عن فلسطين، والتي تظل اضعف من ان تنهي خلافاتهم متعددة الأسباب والذرائع.. بل لعلها تفاقم في خطورتها على مصيرهم جميعاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة النصف يوم وقراراتها المسبقة قمة النصف يوم وقراراتها المسبقة



GMT 00:27 2022 السبت ,23 إبريل / نيسان

في وداع لبنان

GMT 09:30 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

كيف الخلاص من .. الشيكل ؟

GMT 03:30 2017 الإثنين ,10 تموز / يوليو

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib