طلال سلمان
تكاملت عناصر «الكوميديا السوداء» في الحرب السعودية المموهة بأختام القمة العربية السابعة والعشرين، على اليمن، موطن العرب العاربة، وارث أمجاد مملكة سبأ، والغارق في الفقر حتى أعلى قمم جباله وأعمق وهاده.
... وبهذا تكتمل العناصر اللازمة لإعادة إنتاج اليمن السعيد.
قد تخطر بالبال أسئلة ساذجة، من نوع:
ـ لماذا هذه الحرب المدمرة التي حشدت لها وفيها أساطيل الطيران الحربي لمجلس التعاون الخليجي، بالقيادة السعودية، وطار فيها القباطنة يمخرون بنفاثاتهم الأجواء المفتوحة، ولا من يقاوم، يتخيرون أهدافهم من أسباب العمران، ويقصفون ما شاءوا من «الأهداف»، وكأنهم في تمارين بالذخيرة الحية، ثم يعودون سالمين غانمين من «مهمتهم المقدسة» التي لم يتعب أحد في تبريرها، ولو بادعاءات تفتقر إلى دليل يؤكدها؟!
ـ الكل يعرف ان اليمن يعيش أزمة سياسية حادة، وسط «رخائه الاقتصادي» الباهر، وفي ظل صراعات لا تنتهي بين قواه السياسية متعددة التوجهات والولاءات... وفيها جماعة «العهد البائد» لعلي عبدالله صالح، و «الإخوان المسلمون ـ أو حزب الإصلاح»، و «البعثيون» بأنواعهم، والقبائل بزعاماتها متعددة الولاء، وفيها أيضاً «الحوثيون» الذين قدموا أنفسهم منذ زمن كطرف سياسي له مشروعه وبرنامجه الوطني الذي لا شبهة فيه للطائفية أو العنصرية أو التسامي (باعتبارهم من الأشراف)، وان هم حملوا الدعوة الملحة إلى قيام حكم مؤقت ولمرحلة انتقالية تمهد لانتخابات عامة تستولد قيادة وطنية لاستنقاذ اليمن وبناء دولته بجهد أبنائها وثروات أرضها، مع شيء من مساعدة الأشقاء العرب.
ـ والكل يعرف ان اليمن ليس مؤهلاً لأن يشن الحرب على أية دولة، وأقصى طموحات أبنائه على اختلاف توجهاتهم، إنهاء مناخ الحرب الأهلية السائد، وتمكينهم من التوحد خلف مشروع إعادة بناء اليمن... سيما وان اليمنيين يعانون من انقسامات شتى (جهوية ـ شمال وجنوب، ومناطقية ـ جهات محرومة وجهات ميسورة نسبياً، نتيجة الاكتشافات النفطية) فضلاً عن التمايزات القبلية وهي مكمن الخلافات التي كان يلعب عليها علي عبدالله صالح طوال عهده المديد..
ـ هذا قبل الحديث عن التأثير المباشر للسعودية على المكونات القبلية في بعض المناطق، فضلاً عن «تحالف ضمني» مع الإخوان المسلمين..
ـ أما تأثير إيران على اليمن فهو مستجد ومحدود، بغض النظر عن تصنيف «الحوثيين» وكأنهم من «أتباع إيران».
و «الحوثيون» سادة، يعودون بنسبهم إلى الأرومة الهاشمية، وتحديداً إلى الإمام زيد بن علي، ولذا فهم «زيديون» وليسوا من الشيعة الإثني عشرية... وقد كان الحكم لهم أيام الإمامة، وآخر الأئمة كان الإمام أحمد، الذي أورث ابنه الإمام البدر الذي خلعته الثورة بقيادة عبد الله السلال في 20 أيلول 1962.
على أن اليمنيين الذين يتوزعون بين الزيدية والشافعية لم يعرفوا الفتنة الطائفية أو المذهبية، وهم يصلّون جماعة في المسجد الواحد وخلف الإمام الواحد، ولا يهم من عقد ذراعيه أو أسبلهما...
& & &
أغنى جيوش العالم وأعظمها تجهيزاً، معززاً بقدرات «دول التحالف» الذي أعلنت ولادته في القمة الأخيرة، يشن حرباً غير مبررة، على شعب فقير حتى العدم، يكاد يكون بلا دولة، إذ ما تزال القبيلة أعظم حضوراً منها، فيقصف منشآته المحدودة للجيش منقسم الولاءات بين الرئيس السابق والحكم المؤقت ونفوذ القبائل والحوثيين الذين قاتلهم علي عبد الله صالح دهراً في مناطقهم الجبلية الفقيرة، والذين كانوا يطرحون برنامجاً وطنياً لإعادة صياغة الحكم في بلادهم التي «نبذها» مجلس التعاون الخليجي وتركها لفقرها بقبائلها المتصارعة، والتي كان للسعودية حصة وازنة فيها على الدوام.
مع ذلك نجح الحكم الديموقراطي للمملكة المذهبة في استنفار دول فقراء العرب (مصر والأردن والمغرب ـ إضافة إلى باكستان، وربما تركيا) للحرب على هذا الشعب المفقر.. إلا بتاريخه.
.. والنصر في هذه الحرب أسوأ من الهزيمة:
ترى، هل على خريطة الطيارين الذين يقصفون حيثما شاؤوا أية إشارة إلى فلسطين؟!