احتياجات الشعب الغذائية مسألة ذات أولوية قصوى فى تحقيق حالة الرضاء العام للمواطنين عن أى نظام سياسى.
معظم شعب مصر تحت خط الفقر بالمعدل العالمى المتعارف عليه لتعريف الفقر من ناحية الدخل والحصول على الخدمات والرعاية الاجتماعية، لذلك تصبح المسألة فى مصر أشد وطأة وخطورة عن غيرها من المجتمعات.
وحينما يشغل أى مسئول منصب وزير التموين فإنه يحمل على كاهله حملاً ثقيلاً لا تقدر عليه الجبال الراسخة.
وبالمتابعة لأداء الدكتور خالد حنفى، وزير التموين، فإن الأمانة تقتضى أن نقول إن الرجل استطاع فى فترة توليه لمنصبه أن يُحدث تحولات وإصلاحات هيكلية فى منظومة توفير السلع الغذائية فى مصر.
ويخطئ من يعتقد أن وزارة التموين هى وزارة إنتاج، لأنها فى الحقيقة جهة توزيع، لذلك تصبح مسألة إدارة سياسات التوزيع هى المحك الرئيسى والمعيار الأول للحكم على الإنجاز.
وكعادتنا فى الرأى العام، وفى الإعلام، نشكك بل نسخر من أى محاولة للإصلاح أو أى محاولة لتغيير أساسيات أى قواعد راسخة وبالية كنا نعتمدها فى حياتنا.
نال وزير التموين وفريق عمله حملة من الانتقادات الظالمة التى ثبت خطؤها الكامل مع مرور الأيام. والذى لا يعرفه البعض أن وزارة التموين منذ أن أنشئت فى عهد حكومات يوليو 1852 حتى أجل قريب كانت مصدراً لانتفاع فئة وسيطة تضع دعم الدولة للمواطن فى جيوبها، حتى ترسخت مصالح مالية واقتصادية مستفيدة من نهب الدعم فى جيوبها وبطونها.
كان الدقيق المدعوم يباع فى السوق السوداء بدلاً من أن يتحول أرغفة خبر للمواطنين الجائعين، وظلت أنبوبة البوتاجاز المدعومة تباع بعشرة أضعافها لصالح التجار والوسطاء، وكانت لحوم وطيور وأسماك الجمعيات التعاونية تباع فى محلات القطاع الخاص!
كان التموين باختصار مؤسسة فساد كبرى ومشروع انتفاع من مليارات تهدرها الدولة لصالح حزب الفساد والوسطاء.
استطاعت سياسة التموين الجديدة التى اعتمدت توزيع رغيف الخبز بالبطاقات وإطلاق حرية سعر الدقيق توفير الرغيف بنوعية جيدة وتخفيض حجم استهلاكه من 8 مليارات رغيف شهرياً إلى 6٫3 مليار رغيف.
وجاء منهج إعطاء المواطنين الذين يرشدون استخدام الرغيف مكافأة تبيح لهم الحصول على سلع تموينية بالمجان فرصة لاستفادة ملايين البسطاء.
علينا أن تتوفر لنا الأمانة والشجاعة لأن ندعم الإنجاز، أى إنجاز، بصرف النظر عن فاعله أو موقفنا السياسى أو الأيديولوجى منه.
إننا نعيش فى عصر فقدان الثقة فى كل الإنجازات، وفى كل التيارات. وهو موقف مدمر وعبثى وعدمى لا يشجع أى صانع قرار على المضىّ قدماً فى خطى الإصلاح.
أحوال ملايين البسطاء من شعب مصر الصبور لا يجب أن تكون موضوعاً للتجاذب السياسى أو مادة لإحراز بطولات زائفة على حساب الذين يحققون إنجازات حقيقية على الأرض.
لذلك كله لا أخجل أو أعتذر أن أقول لخالد حنفى: شكراً.