عماد الدين أديب
أهتم كثيرا بلغة الخطاب السياسي لصانع القرار العربي. ولعل أهم المقاييس أو المعايير التي أعدها لتقييم الخطاب هو «مدى مصداقية الخطاب وملاءمته للواقع» بحيث يؤدي تأثيره المطلوب على الجهة المستهدفة بالخطاب.
وفي أول تصريحات علنية له بعد العملية الجراحية الأخيرة التي أجراها في الرياض، قال الرئيس السوداني عمر البشير - شفاه الله - بمجموعة من الآراء أتوقف بشدة أمام بعضها.
قال الرئيس البشير في لقاء له مع حشد كبير من الجالية السودانية في الرياض: «إن السودان يجهز الآن لرد الصاع صاعين لإسرائيل جراء الضربة العسكرية التي وجهتها لمجمع اليرموك مؤخرا».
وكانت إسرائيل قد أعلنت خلال الأسبوع الماضي عن مسؤوليتها عن تفجير مجمع اليرموك تحت دعوى أنه «يقوم بتصنيع أسلحة وصواريخ إيرانية يتم إعدادها للاستخدام في المنطقة ضد إسرائيل سواء في غزة أو جنوب لبنان». الرئيس البشير يتحدث عن توجيه «رد فعل» وأن بلاده سوف ترد الصاع صاعين. هذا ما قاله الرجل حرفيا، وهذا الكلام يجب ألا يؤخذ على أنه دخان في الهواء؛ لأنه صادر عن قديم في لعبة السياسة، يحتل منصب رئيس جمهورية، وقائد أعلى للقوات المسلحة لبلاده، ولديه منصب عسكري في الجيش السوداني.
إذن الرجل يعرف بالضبط معنى كلامه وتهديده.
من هذا المنطلق يقول المنطق البحت إن كلام الرئيس البشير إما أنه للاستهلاك المحلي من أجل رفع الروح المعنوية للشعب السوداني الذي شعر بأن الضربة فيها نوع من انتهاك للسيادة الوطنية واختراق للأمن القومي للبلاد. إن صح هذا الاحتمال، فإن مثل هذه التصريحات مع تكرارها تضعف مصداقية النظام السياسي، وقد سبقتها تصريحات عن «قطع يد وأصابع» من يتعدى على الحدود بين شمال السودان وجنوبه.
أما إذا كانت التصريحات جادة بالفعل، وأن هناك رغبة من القيادة السودانية في القيام بعمل عسكري مضاد أو عملية نوعية ضد إسرائيل أو أهداف إسرائيلية، فإن المنطق العملي يقول متسائلا: «هل لدى القوات المسلحة السودانية القدرة على القيام برد فعل عسكري؟».
أما السؤال الثاني: هل تمتلك الخرطوم صواريخ بعيدة المدى أو غواصات تقليدية أو نووية قادرة على تهديد الأمن الإسرائيلي والمدن الإسرائيلية؟
هل يوجد لدى سلاح الجو السوداني مقاتلات قاذفة بعيدة المدى قادرة على القيام بعمليات تزويد وقود من طائرات أخرى في الجو حتى تستطيع أن يصل مداها إلى الأراضي الإسرائيلية؟
التهديد برد «الصاع صاعين» عبارة أدبية وصوت سياسي عال يعود لأيام الستينات الشهيرة التي انتهت بهزيمة يونيو (حزيران) 1967.
نقلا عن جريدة "الشرق الاوسط"