عماد الدين أديب
أخطر ما يقلقني ويخيفني، ليس الحروب الأهلية العربية، أو المجاعات، أو التطرف الديني، أو أي شكل من أشكال التعصب القبلي أو المناطقي أو المذهبي!
هل تعرفون أكثر ما يخيفني هذه الأيام؟
إنه الخوف من «تسييس القضاء»، أي قيام السلطة السياسية في أي بلد باختراق استقلال الجهاز القضائي والضغط عليه بهدف تحويل مسار قرار القاضي إلى مسار آخر لا يخدم العدالة المعصوبة العينين ولكن يخدم السلطة فاقدة الضمير!
أعظم ما في القضاء العادل أن يتمثل الضمير المجرد البعيد عن أي هوى شخصي أو ثأر سياسي أو مصلحة ذاتية وهو ينظر أي مسألة مطروحة عليه.
إن القاضي العادل هو المدافع عمن لا يجد من ينصفه، وهو الذي يقتص للمجتمع بكل نزاهة وعدالة لا تعرف أي «شخصنة» في الحكم.
يد القاضي العادل لا تهتز، وقلبه لا يميل، وضميره لا يتلون.
عاودتني هذه المشاعر وأنا أقرأ خبرا صادرا عن وكالات الأنباء من العاصمة العراقية، يقول إن المحكمة الجنائية العراقية أصدرت حكما غيابيا ثالثا بإعدام طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية!! وجاء في الحكم أن حكم الإعدام جاء لإدانة المحكمة له «بأعمال إرهابية وأعمال تفجيرات».
وبالطبع ليس من حقي التعليق على حكم قضائي، خاصة حينما يصدر عن محكمة رفيعة المستوى مثل تلك التي أصدرت القرار.
لكن الذي أتوقف أمامه أن معظم الذين ينالون الأحكام هذه الأيام في عالمنا العربي هم من الذين يعارضون وبقوة أنظمة الحكم الحالية، أو هؤلاء الذين اختلفوا سياسيا أو تصارعوا انتخابيا مع الحكومة أو الحكام.
إن استخدام القضاء كأداة قصاص سياسي ضد من تختلف معهم أو من تعجز عن هزيمتهم في معارك الصندوق الانتخابي هو خطر عظيم ومؤشر مخيف لمستقبل الحريات والديمقراطية.
بالله عليكم اتركوا مؤسسات القضاء منزهة وبعيدة عن صراعات وعمليات الثأر والثأر السياسي المضاد بين القوى السياسية التي تنتمي للماضي والحاضر.
لا يمكن للقاضي الذي أدان فلانا بالإعدام في عهد ما أن يحكم بذات الحكم على خصمه السياسي.
لا يمكن أن تحول «العدالة» إلى «أداة بطش» لمن نختلف معهم.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"