عماد الدين أديب
هناك نكتة قديمة في مصر يعاد إنتاجها هذه الأيام، تقول إن مذيعة التلفزيون الرسمي ذهبت إلى إحدى القرى النائية في الريف وأجرت حوارا مع رجل طاعن في السن، فسألته: «ماذا تريد من الرئيس؟».. فرد عليها مستعلما: «أي رئيس؟».. فقالت: «الرئيس الدكتور محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب».
فبدا العجب والدهشة على وجه الرجل.. فسألته: «ألا تتذكر المجلس العسكري الذي سبق مرسي؟».. فظهرت علامات دهشة أكبر على وجه الرجل المسن، وتساءل: «عن أي مجلس عسكري تتحدثين؟».. ردت المذيعة: «عن المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق محمد حسني مبارك؟».
بادرها الرجل على الفور: «ومن مبارك؟».. فقالت المذيعة: «مبارك الذي خلف أنور السادات؟». عاد الرجل وسألها: «ومن السادات؟».. فقالت «الذي خلف عبد الناصر الذي أطاح بالملك فاروق رحمة الله عليه». هنا صرخ الرجل وقال: «هوه مولانا الملك فاروق مات... الله يرحمه!!».. وانهار باكيا.
انتهت النكتة، ولكن يبقى المعنى، وهو شعور بعض الناس بتوقف الزمن، وإصابتهم بحالة من الخلل في الإدراك، ورفضهم لقبول الواقع والمتغيرات.
وحتى لا تظنوا أنني أبالغ اقرأوا ما جاء في الصحف ووسائل الإعلام عن نتائج حوارات الجيش الليبي النظامي مع مقاتلي منطقة قبائل بني وليد التي ما زالت تؤمن بأن القذافي حي لم يقتل، وتطالب بعودته، وترفض الاقتناع كليا وجزئيا بأن نظام القذافي قد انتهى، وأن أركانه إما قتلوا أو هربوا أو يستعدون للمحاكمة. وما زال بعض أقطاب «البعث» العراقي في جحورهم في العراق يؤمنون بفكر قائدهم صدام، ويعدون العدة للعودة بالعراق الحالي إلى قديمه البعثي.
وآخر صور الرئيس بشار الأسد كانت في أحد مساجد دمشق لأداء صلاة العيد الأضحى، وكان «مبتسما باشا سعيدا» بمناسبة الهدنة الهشة التي لم تصمد والاستقرار الذي اختفى. هكذا يعتقد الرئيس بشار الأسد، بينما كل ما هو على كوكب الأرض يعتقد عكس ذلك!
أن تصنع عالمك الخاص بك، وتنفصل عن الواقع، وترفض قبول الحقائق كما هي، حتى لو كانت حقيقة الموت، فهذا هو مرض نفسي اسمه «الخلل في الإدراك».
نحن نعيش في عصر العالم الافتراضي لبعض صناع القرار الذين قرروا أنهم وحدهم دون سواهم الذين يمتلكون الامتياز الحصري للحق والحقيقة. هؤلاء مصيرهم الهلاك الأكيد.
نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"