عماد الدين أديب
قال القائد العظيم شارل ديغول: «إن السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ابنة قواعد ثابتة لا تتغير».
أطلق ديغول هذه العبارة عام 1958 ولم تكن هناك بعض المتغيرات الأساسية قد برزت وأدت إلى تغيير بعض مبادئ هذا القائد الفرنسي حول ثوابت الجغرافيا، أهمها:
1) إن الحدود المرسومة التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية والتي ظن البعض أنها مستقرة ودائمة بشكل مطلق قد تغيرت. سقطت الكتلة الشرقية في أوروبا بسقوط «الشيوعية»، وأصبح الاتحاد السوفياتي الموحد دويلات متناثرة. وأصبحت فيتنام موحدة، وسقط سور برلين وعادت ألمانيا الموحدة قوية وعظيمة من خلال اقتصاد يقود أوروبا كلها.
2) لم يعد استقرار الخريطة السياسية عند حافة بحر أو حدود جبال أو شواطئ محيط يعني أن الجغرافيا الطبيعية حكمت على صاحبها بحدود دائمة مستقرة غير قابلة للتغيير. وبظهور الجيل الجديد من الصواريخ العابرة للقارات والطويلة والمتوسطة المدى ودخول عصر البرمجيات الحديثة لتحول الصاروخ من حالة قوة الدفع إلى حالة «العقل الذكي» القادر على تحديد وإصابة الهدف بدقة، تغيرت نظرية الحدود الآمنة الدائمة.
3) قبول المجتمع الدولي الدائم والمستمر لظهور كيانات سياسية جديدة أو منقسمة على ذاتها طالما تم تغليفه بـ«حق تقرير المصير» من قبل الشعوب.
هذه المقدمة الطويلة هدفها أن نحذر من أن شكل الخارطة السياسية للعالم العربي بدوله وكياناته وحدوده الدولية من بعد الحرب العالمية الثانية أو ما قبلها على مر التاريخ ليس ضمانا كافيا لاستمرار هذه الدول. وأستطيع أن أؤكد أنه في خلال فترة من 20 إلى 30 عاما سوف نشهد خارطة جديدة لدول العالم العربي. هذه الخارطة ليست ثابتة ودائمة وليست حسب الحدود والكيانات التي نعرفها الآن. هذه الخارطة قد تجعل عدد أعضاء دول جامعة الدول العربية مضاعفا.
هذه الخارطة سوف تؤدي إلى تقسيم عرقي وطائفي وقبلي للكيانات التي فشلت في الاندماج في مشروع الدولة الموحدة من العراق إلى اليمن ومن الجزائر إلى ليبيا.
سوف نرى دولا لأقليات مذهبية أو قبلية مثل البربر والأمازيغ والنوبة والأقباط والشيعة والعلويين والدروز ومسيحيي الشرق والأكراد.
وقد نرى شرق الأردن دولة لحالها، وغزة بعيدة عن الضفة، وجنوب لبنان بعيدا عن شماله.
إنه السيناريو الذي نرفض تصديقه!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"