بقلم - عماد الدين أديب
شاهدت أمس للمرة المائة فيلم «شارع الحب» بطولة عبدالحليم حافظ وصباح، وتذكرت حواراً دار بينى وبين والدى، رحمة الله عليه.
حينما شاهدت هذا الفيلم للمرة الأولى، وكنت وقتها فى سن المراهقة، سألت والدى عن حقيقة وواقع الفنانين الذين قدمهم هذا الفيلم؟ وهل القصة هى خيال كاتبها، الأستاذ يوسف السباعى، أم أنها تعبر عن واقع هؤلاء البشر البسطاء الذين يرتزقون من الفن وعاشوا يضحون بلقمة عيشهم كى يعلّموا بطل الفيلم (عبدالحليم حافظ) فى معهد الموسيقى العربية؟
قال لى والدى: ما كتبه يوسف السباعى هو صورة صادقة لهؤلاء الناس الذين يتصفون «بالشهامة» و«الرجولة» و«الجدعنة»، كما هو حال أبناء الحارة المصرية.
ومرت سنوات وعدت أسأله فى التسعينات عن مصير هذه النماذج التى تكاد تنقرض؟ فكان رده: «دى كانت ناس طيبة وجميلة وكانت نفوسها صافية».
وحينما نتأمل أغانى أم كلثوم القديمة نجد كلمات أحمد رامى ومأمون الشناوى تتحدث عن صفات لم تعد موجودة فى قاموس كلامنا حتى فى قاموس العشاق، فنحن لم نعد نعرف معنى «الأنس انت والانسجام انت» ولم نعد نناقش مسألة «غلبت أصالح فى روحى» أو سعادة العاشق حينما «يرق الحبيب».
نحن الآن فى زمن «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت ويوم فوق».
ونحن فى زمن نتمنى «آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الأحوال».
ونحن فى زمن الشكوى من الحياة كى نكرر ليل نهار: «آه يا دنيا».
إنه زمن ضياع الصفاء وقسوة النفوس وتوحش الضمائر.
إنه زمن الاغتيال المعنوى وتشويه الحقائق وإرهاب التفكير والإرهاب التكفيرى.
إنه زمن التحرش الفكرى، والتحرش الجسدى فى وضح النهار أمام الكاميرات وأجهزة الموبايل دون أن يتحرك إنسان لنجدة المتحرَّش بها!
إنه الزمن الذى توقف فيه «الجدعان» عن نجدة الملهوفة المستغيثة.
فى الماضى كانت الضحية تصرخ مرة واحدة: «أغيثونى»، فيخرج كل شباب المنطقة السكنية لنجدتها، والآن يخرجون للمشاركة فى جريمة التحرش!
فين الناس الحلوة؟ وفين القلوب الصافية؟ وفين الأنس والانسجام والجدعنة؟.
ماذا حدث للشخصية المصرية؟!