بينما كنت أحتسى فنجاناً من الشاى بالنعناع على أحد المقاهى الشهيرة فى عاصمة عربية، وبينما أنا غارق فى محاولة التفكير فى اسم مطعم جيد المذاق، ابن حلال فى الأسعار، قاطعنى شاب فى العشرينات من عمره، وسحب مقعده وجلس على طاولتى دون استئذان، وبادرنى بلهجة عدائية:
الشاب: عاجبك اللى بيحصل يا أستاذ؟
العبد لله: قبل الإجابة عليك لم أتعرف بسيادتك؟
الشاب (معتذراً): أنا آسف، أنا أحمد، وأنهيت دراسة هندسة الكهرباء فى أفضل جامعة هنا فى العاصمة.
العبد لله: أهلاً، تشرفنا، ما هو سؤالك؟
الشاب: هل يرضيك ما يحدث الآن فى عالمنا العربى؟
العبدالله: فى أى مجال، وفى أى عاصمة؟
الشاب: كل شىء خارج السيطرة، كل شىء يدار ويفرض علينا من الخارج.
العبد لله: كيف؟ أعطنى مثالاً.
الشاب: مليون مثال ومثال من المحيط إلى الخليج.
انظر إلى تعطيل تشكيل الحكومة فى بغداد، وتظاهرات البصرة، انظر إلى التعقيدات المتعمدة لإفشال تشكيل الحكومة فى لبنان، وتأمل الوضع الاقتصادى الصعب.
العبد لله: فى النهاية ستكون هناك حكومة فى العراق، وأخرى فى لبنان، مهما طال الزمن.
الشاب: تلك هى المأساة يا عزيزى!
العبد لله: كيف؟
الشاب: إن عنصر الوقت لا معنى له فى عالمنا العربى! إن تاريخ المنطقة هو تاريخ الفرص الضائعة.
ما يتم إنجازه فى العالم فى يوم ننجزه فى شهر، وما يتم إنجازه فى شهر، ننجزه فى عام، وما يتم إنجازه فى عام ننجزه أو لا ننجزه طوال العمر.
العبد لله: أنت ترى المسألة بنظرة سوداوية موغلة فى التشاؤم.
الشاب: وأنتم يا معشر الإعلام تبيعون للرأى العام الأوهام والأكاذيب وتخدّرون عقول ومشاعر الناس.
العبدالله: نحن ضحايا مثلكم، نحن لا نمتلك سوى قلم أو ميكروفون أو كاميرا.
الشاب: هذا ليس بالقليل، الإعلام الآن أهم من الدبابات والمدافع والصواريخ، لكنكم ويا للأسف تضعونه فى خدمة الحكام.
العبد لله: الكلام سهل، والتجربة صعبة، وقواعد ومساحات التعبير مسألة تحتاج إلى التدقيق والفهم.
الشاب: أتحداكم أن تخرجوا علينا وتسموا الأشياء والأشخاص بأسمائهم، وتشرحوا للرأى العام من الفاسد؟ ومن المستبد؟ ومن القاتل؟ ومن يمول الإرهاب؟ ومن يعطل تشكيل الحكومات فى عالمنا العربى؟
العبد لله: إن شاء الله قريباً يتحقق لك هذا الحلم.
الشاب: يعنى متى بالضبط يا أستاذ؟
العبد لله (بعد تفكير طويل وتردد): بعد مائة عام وعليك خير.
وانتهى الحوار..