بقلم : عماد الدين أديب
وضع الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى أشد النقاط فوق أصعب الحروف حول مسألة هوية الدولة التونسية.
وقال الرئيس التونسى، البالغ من العمر 94 عاماً: «نحن مرجعيتنا ليست القرآن أو الدين، ولكن الدستور التونسى الذى ينص على أن تونس دولة مدنية».
وجدير بالذكر أنه تم الاتفاق بين «ترويكا» اليسار وحزب النهضة ويمين الوسط عام 2012، بعد رحيل نظام الرئيس زين العابدين بن على، على صياغة دستور توافقى، وتم اختيار مجلس تشريعى، وأقيمت الدولة فى البلاد حسب ما جاء فى الفصل الثانى من الدستور على أنها «دولة مدنية ورئيس الجمهورية هو رئيس الدولة».
وتفسير الرئيس التونسى لهذه العبارة الأخيرة أن الرئيس لا مرجعية له إلا الالتزام الحرفى بنص وروح الدستور.
ويثار الجدل منذ فترة فى تونس حول لجنة صياغة الحقوق العامة، وتحديداً حول حقوق المرأة التى صدرت توصية فيها بسنِّ قانون يساوى المرأة بالرجل تماماً فى نظام المواريث.
ويعتبر تيار النهضة، وكافة تيارات الإسلام السياسى، أن هذه التوصية هى مخالفة صريحة تماماً للشرع الإسلامى الذى نص صراحة، فى كتاب الله، على التفاصيل الدقيقة للمواريث.
واستطاع الرئيس التونسى، فى خطابه أمس، أن يحافظ على مبادئ الليبرالية التى أسسها فى حزبه «نداء تونس»، ويدعو ويدافع عن الدولة المدنية العلمانية، مع دعوته إلى إقرار مبدأ أنه «يحق لصاحب التركة أن يختار أن يورث أصحاب المصلحة وفق الشرع الإسلامى إن أراد».
وهكذا أدار الباجى قائد السبسى هذا الملف الحساس ببراعة واقتدار، أى أنه تمسّك بمبادئ الدستور وحزبه من ناحية، وترك لأنصار تطبيق الشرع حقهم الكامل فى الاختيار.
والباجى قائد السبسى سياسى مخضرم عركته الحياة منذ أن وُلد فى سيدى بوسعيد عام 1914، وعاصر حكم بورقيبة، وزين العابدين والمنصف المرزوقى.
وخبرة الرجل نادراً ما تجتمع فى شخص واحد، فهو رئيس الحكومة رقم 11 فى تاريخ تونس، وهو الرئيس رقم 6 للبرلمان التونسى، وشغل منصب وزير الخارجية والدفاع والداخلية، ويشغل الآن منصب رابع رؤساء تونس منذ ديسمبر 2014.
والباجى قائد السبسى يقود المشروع المدنى العلمانى المتأثر بالفكر البراجماتى الفرانكفونى منذ أن شغل منصب سفير بلاده فى باريس.
هنا يبرز السؤال: هل أغلق الرئيس التونسى الملف بخطابه أمس فى يوم المرأة التونسية، أم أن ما جاء فى خطابه سوف يصب المزيد من الزيت على نار الصراع بين مشروعَى الدولة المدنية والدولة الدينية فى تونس؟!