النفط والشباب وصندوق الأجيال

النفط والشباب وصندوق الأجيال

المغرب اليوم -

النفط والشباب وصندوق الأجيال

عبد الرحمن الراشد

هذه أعياد الميزانيات التي تعني أصفارها الكثير للجميع، فالحكومة هي الأم، المسؤولة عن رعايتهم، والموظف الرئيسي للمواطنين. الميزانية بذاتها ليست إلا مشروع أمنيات عمل للسنة المقبلة غير مضمون، يتم تخطيطها بناء على مداخيل مبيعات النفط المأمولة.. فدول الخليج هي هبة النفط، وحتى مداخيلها الأخرى أيضا مصدرها النفط بصورة غير مباشرة، سواء مبيعات منتجات بتروكيماوية من أسمدة وبلاستيك أو رسوم العمالة والخدمات. لهذا دعا الملك عبد الله أن يطيل الله عمر البترول على المملكة العربية السعودية، لأنه مصدر دخلها الأساسي.. فإنتاج النفط في أسبوع في السعودية تقريبا يوازي مداخيل دولة مثل الأردن الذي تبيع حكومته القليل من الفوسفات وتقوم على تأهيل مواطنيها حتى يعملوا مدرسين ومهندسين في الخارج ويعودوا على خزينة بلدهم بالمال. والحال يكون أفضل عندما تنتج نفطا وغازا هائلا وعدد مواطنيك لا يصل إلى ثلاثمائة ألف، كما هو الحال في قطر، التي ربما تبيع في يوم أعظم مما تحققه البحرين في سنة، وهذه سنّة الحياة، فالبحرين كانت في يوم مضى أغنى دول الخليج عندما كان اللؤلؤ مصدرا للثراء. وهذا ما يجعل المسؤولية أعظم على الدول ذات المداخيل النفطية، فهي لا تملك عذرا عندما يوجد مواطن بلا عمل، أو مواطن مريض بلا علاج، أو تأمين حمايته وسلامة بيته، لأن واجبها أن تحقق له هذه الخدمات. وعندما يغضب المسؤولون من كثرة النقد ينسون أنها وظيفتهم؛ خدمة الناس، والميزانية مناسبة للحكومة أن توضح ما الذي تخططه من أجلهم. وليس واجب الدول ذات الريع السهل، كالنفط، فقط تدبير حاجات مواطنيها اليومية، بل يتعداه إلى تأمين مستقبلهم مائة سنة لاحقة. واجبها أن تحافظ على ثروات البلاد، وبيئتها، وتؤهل الأجيال من الشباب والأطفال لمستقبل أفضل. وهنا أنا أختلف مع الذين يطرحون أفكارا كبيرة بعبارات رنانة، وإن كنت أتفق معهم في هدفها، مثل طرح مشاريع مالية واستثمارية تحت اسم «صندوق الأجيال». ليس صحيحا أن الأموال هي الضامن المستقبلي للأجيال التالية، وتجارب الدول التي نهجت هذا الأسلوب فشلت فيها. ولعل كثيرين يتذكرون صندوق الأجيال الكويتي، وكيف كان رمز التفكير المستقبلي، وببساطة كانت الحكومة الكويتية تخصص جزءا من عائدات الدولة لتستثمره لمستقبل البلاد وأبنائها. الذي حدث بعد غزو صدام للكويت أن الأموال تبخرت، ولا ندري ماذا حدث لأموال الأجيال الكويتية التي كانت تستثمر في أوروبا. ولهذا، فإن النظام المالي السعودي الذي يلام لأنه محافظ، ويرفض الانخراط في الاستثمار في شراء شركات، أو المضاربة في نشاطات اقتصادية غير مضمونة، أعتقد أنها سياسة حكيمة لأنه ليس من حق الحكومات المغامرة بالمال العام. إنما الأهم من المال والنفط، الإنسان، هذا هو رأسمال الدول الناجحة. ما نراه من طرق هائلة، ومصانع ضخمة، ومبان شاهقة، كلها تتحول في غمضة عين إلى لا شيء بسبب حرب أو تقنية جديدة تحل محل البترول. أما الإنسان المؤهل المنتج فإنه نفط لا ينضب مهما كانت الكوارث. واجب حكوماتنا التي منّ الله عليها بالنفط، المال الوفير، أن تنفقه كله على ناسها، أن تحسن تعليمهم، الذي لا يزال رديئا بكل أسف، وتدرب خريجيها، وتؤهل موظفيها في القطاعين الخاص والعام. هذا هو صندوق الأجيال الحقيقي الذي لا يمكن في المستقبل إساءة إدارته، أو اختلاسه، أو تبخره في زلازل أسواق المال، ولا تستطيع دولة أجنبية الاستيلاء عليه في لحظة خلاف أو حرب. وما فعله الملك عبد الله بابتعاث الشباب السعودي، نحو مائة وخمسين ألفا أرسلوا للدراسة في الجامعات في أنحاء العالم، هو صندوق الأجيال الحقيقي للمستقبل، والذي يمكن أن يؤمن للبلاد أكثر من نفطها وصناديقها السيادية. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النفط والشباب وصندوق الأجيال النفط والشباب وصندوق الأجيال



GMT 19:20 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 19:17 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 19:15 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 19:13 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 19:10 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 19:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مسمار جحا

GMT 18:58 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

جمال بدوي محارب قديم!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:55 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

رامي صبري يكشف أمنيته في العام الجديد
المغرب اليوم - رامي صبري يكشف أمنيته في العام الجديد

GMT 02:13 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

قائمة المنتخب المغربي لمواجهة الغابون وليسوتو

GMT 01:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونيخ يسحق رازن في ختام رائع لعام 2024

GMT 01:27 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

برشلونة وأتلتيكو يستعدان لحسم معركة القمة

GMT 01:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يعيد سكة الانتصارات بهدف تيجاني

GMT 01:17 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يخوض منعطفاً صعباً في حملته أمام توتنهام

GMT 03:37 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أتلتيكو مدريد يراهن على الفوز بلقب الدوري الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib