بقلم - عبد الرحمن الراشد
أخيراً، قيادة غزة تفتح أبوابها وذراعيها للسلطة الفلسطينية في سبيل إنهاء الخلاف، وتفرج عن معتقليها، وتسلم المفاتيح الإدارية المحلية. اتفاق مهم سياسياً وإنسانياً يحسب لحكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأول الذي ينجح في عقد.
ولو استكمل الاتفاق مساره، وتعاون قادة رام الله مع قادة غزة، ستنتهي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي صنعها السياسيون.
ولا شك في أن قيادي غزة الذين انجرفوا وراء مغامرات قطر والاستخدام الإيراني يتحملون معظم وزر هذه المرحلة المظلمة. مرت عشر سنين بطيئة مؤلمة على سكان القطاع المكتظ؛ عاش أهله حروباً مدمرة بلا مشروع سياسي، وتقاتلت فصائلها داخل القطاع بين متطرفين ومتطرفين جداً. منعت التجارة، وسدت الأنفاق، وحرمت السباحة في البحر، وضيق على الصيادين. بدأت عندما أغلق المطار الذي مثل رمزاً لوعد السلام والمستقبل الأفضل. صارت معظم أخبار غزة هي المعبر، متى يفتح لنقل الحالات الإنسانية.
لم تكن تلك المعاناة ضريبة وطنية ولا ضرورة سياسية؛ مجرد عبث ومماحكات وتنافس شخصي على الزعامة. ومع أننا لا نستطيع أن نجزم بعد بأن الاتفاق الجديد سيدوم حتى نراه مستقراً وفاعلاً لبضعة أسابيع وأشهر؛ رغم هذا الهاجس، يظل هو أفضل ما جرى في سنوات.
هل يمكن لحكومة رامي الحمد الله أن تدير القطاع، وتتعايش مع حماس في الوقت نفسه؟ هل ستنسى الخلافات، ويحل محلها التعاون لإعادة القطاع إلى الضفة الغربية؟
هناك كثير من الأسباب القديمة التي تجعل المهمة عسيرة، وإن نجحت اليوم قد لا تدوم، إلا من سبب واحد؛ إن مأساة غزة لا يمكن أن تترك وتستمر، سواء فلسطينياً أو عربياً أو دولياً.
علامة مهمة عودة غزة إلى رام الله؛ هي مؤشر على أن القيادة الفلسطينية قادرة على التحدث باسم كل الفلسطينيين مجتمعين. المصالحة تنهي مبررات الإسرائيليين الرافضين للسلام، التي تستشهد بأن «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وبقية الحركات المسلحة المعارضة، هي التي أفشلت محاولات السلام الماضية. المصالحة تفتح الباب لأي رغبة دولية في طرح مبادرة جديدة. وحتى لو لم يولد مشروع سلام جاد، على الأقل بات من الممكن إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، الذي تبعثر نتيجة التنازع على السلطات.
عودة مصر عامل سلام جديد مهم، فهي الدولة التي كانت مسؤولة عن رعاية قطاع غزة، لولا أن التدخلات القطرية الإيرانية استهدفت ضرب الدور المصري، وتسببت في بناء جدار من الخوف، وكانت وراء إغلاق القطاع. مصر حاولت وجربت، خلال عشر سنين النزاع الفلسطيني - الفلسطيني، أن تكون وسيطاً، ولم تفلح، إنما هذه أول مرة نرى بارقة أمل في إنهاء نزاع الإخوة. وكل ما تتطلبه صدق النيات، فلا تطمع السلطة في الهيمنة الكاملة، ولا أن تكون حيلة من حماس هدفها فتح المعابر وتجاوز أزمتها للتزود بحاجاتها، ثم تعود للخلاف والقطيعة.
المصالحة وفتح غزة ربما هي بداية للاستقرار في المنطقة، وعلامة على إنهاء الفوضى الإقليمية.