بقلم : عبد الرحمن الراشد
ربع مليون سوري يفرون من مناطقهم في جنوب غربي سوريا، وسط قتال على الأرض بين قوات النظام وفي الجو المقاتلات الروسية، وبين خليط من تنظيمات مسلحة سورية ثورية، ومحلية تدافع عن مناطقها، وأخرى متطرفة. معظم الهاربين نساء وأطفال، من محافظة درعا، يسيرون على أقدامهم، بعضهم نحو الحدود غرباً إلى إسرائيل، والبعض الآخر إلى الحدود مع الأردن. كلا البلدين، الأردن وإسرائيل، يرفضان السماح للاجئين، على غرار السلطات التركية التي قررت إغلاق الحدود أمام لاجئي الشمال السوري. والأردن، هو الآخر، فاض باللاجئين السوريين، وكان الملاذ منذ بداية الحرب، ولا يزال فيه بقايا من لاجئي العراق من الماضي القريب. أما إسرائيل فمن المستبعد أن تسمح لأحد بالدخول وهي تفكر بشكل مستمر في كيفية التخلص من الفلسطينيين، وتحديداً طرد أهالي الضفة الغربية المحتلة.
القوانين الدولية، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 تلزم الدول باستقبالهم، ومن دون مأوى سيموت الآلاف من هؤلاء جوعاً وعطشاً في الصحاري، أو تفجيراً في حقول الألغام الفاصلة بين حدود الدول الثلاث، وفي حال التخلي عنهم، غالباً ستستخدم التنظيمات المتطرفة أولادهم وتعيد تجنيدهم، كما حدث في العراق وأفغانستان من قبل.
لكن، وبعد سنوات من المأساة السورية، وسكوت المجتمع الدولي عن تشريد أكثر من خمسة ملايين سوري في الخارج، وأكثر من عشرة ملايين سوري في الداخل، فإننا نتفهم، ولا نتوقع من جيران سوريا أن يستوعبوا ويتحملوا فوق ما تحملوه. فمزيد من اللاجئين سيهدد أمن الأردن واستقراره. وإن كان هناك من ملامة فإن اللوم يوجه إلى مهندسي التفاهمات الأخيرة بشأن درعا، أرادوا إنهاء القتال وتسليم كل الجنوب دون اعتبار للتبعات على الأهالي، ودون وضع حلول لمشكلة الفارين من القتال الذين يتوقع أن يتجاوز عددهم خلال هذا الصيف أكثر من مليون شخص.
الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً، مع المنظمات الدولية، تستطيع أن تعالج مشكلة اللاجئين هذه المرة بطريقة مختلفة، ليس بإرسالهم عبر الحدود بل بإقامة المآوي في داخل سوريا، والإشراف عليها مباشرة، وليس عن طريق الحكومات المضيفة، كما يحدث في الأردن ولبنان وتركيا.
هل يمكن إقامة مخيمات للاجئين داخل سوريا، بوجود أطراف تُمارس القتل الجماعي، ومن بينها قوات النظام نفسه و«داعش» وغيرها؟ سواء سار المشروع في طريقه المرسوم بإنهاء الاقتتال، أو فشل وبالتالي استمرت الحرب، فإن إقامة مآوٍ للمشردين في مناطقهم هو الحل المتبقي. الأردن لا يستطيع، ولا يفترض أن يجبر على استقبالهم، ولا تريدهم إسرائيل، وتركيا أغلقت حدودها، وكذلك العراق. نحن أمام مأساة إنسانية أعظم من سابقاتها، لأن التهجير السابق تم التعامل معه من خلال جهود المنظمات الدولية التي قامت بعمل إنساني ولوجيستي عظيم، وكذلك تعاملت دول الجوار مع الطوفان البشري بمسؤولية وإنسانية على قدر إمكاناتها.
أما الموجة الحالية من اللاجئين ليست مفاجئة، فهي نتيجة للحرب الجديدة في درعا، التي خطط لها منذ أسابيع، ومهدت الطريق لقوات النظام للانتقال إلى الجنوب، وذلك بعد منع قوات إيران وميليشياتها. لقد كان بإمكان المنظمات الدولية والحكومات المعنية وضع حلول مسبقة لمئات الآلاف المتوقع فرارهم من مناطق القتال. لم يفعلوا، ربما لأنهم لا يريدون تشجيع الأهالي على ترك بلداتهم، مع هذا وقعوا في الأزمة نفسها، وهي أن هناك مليون إنسان قد يملأون سهول وجبال تلك المنطقة يهيمون على وجوههم.