الهدف ليس إنقاذ أوكرانيا

الهدف ليس إنقاذ أوكرانيا

المغرب اليوم -

الهدف ليس إنقاذ أوكرانيا

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

هذه أخطر أزمة في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية، أكثر من أزمة الصواريخ الكوبية، ومن فوضى انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن حروب الشرق الأوسط وغيرها، هذه حروب تقرر مصير البشرية، وليس مجرد حدود الدول ومصالحها. نتائجها المباشرة لو اتسعت مدمرة على الدول الأضعف، كما يقول المثل الأفريقي، «عندما تتقاتل الفيلة يموت العشب».
روسيا ستستولي على أوكرانيا، إن لم يحدث هذا الليلة فإن المسألة مجرد وقت، أيام أو أسابيع، حتماً ما لم تحدث معجزة خارج الحسابات. وهذه الحتمية لن تمنعها المقاومة الأوكرانية، ما دام الأوكرانيون يقاتلون وحدهم، حيث لن يجرؤَ الناتو على الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا النووية. أما الضغوط الغربية الهائلة، دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، هدفها، أولاً، رفع تكلفة قرار الغزو على روسيا فلا تكون الغنيمة رخيصة، حتى تجعلها تفكر مرتين قبل أن تنتقل إلى هدفها الثاني، إن كانت لها أجندة توسعية خفية. والثاني، إنهاك روسيا اقتصادياً وتقنياً، وعزلها سياسياً، حيث يأمل الغرب دفع الكرملين إلى التراجع مستقبلاً، أو دفعه للانهيار خلال سنوات لتحقيق الأمن الأوروبي.
أوكرانيا بعد أن تنتهي في يد موسكو خلال زمن قصير، هل بمقدور روسيا، في المرحلة الثانية من الأزمة التي قد تدوم لسنوات، تحمل النتائج لاحقاً؟ من الصعب احتسابه اليوم لغموض وتعدد الاحتمالات المستقبلية، من بينها توازن القوى، أو حتى، الصراع مع الصين، وتحين عندها الحاجة، إما إلى تحييد روسيا وكسبها حليفاً، أو التصالح مع الصينيين، كما فعل هنري كيسنجر في السبعينات، ورفع مستوى الضغط على موسكو.
نحن نشهد تاريخاً مختلفاً ومستقبلاً غامضاً، حيث لا أحد يزعم أنه يعرف كيف سيقرر الكرملين في حال حوصر في الزاوية، السؤال النووي يؤرق العالم منذ نحو سبعين عاماً، ولم يصل إلى مرحلة اتخاذ قرار بشأن استخدامه، إنه كابوسٌ خطيرٌ، ولا أحد يرغب في الوصول إلى هذه النقطة، الانتحار النووي، هذا في الظروف السياسية المعقولة، أما اليوم، لا ندري.
الذين يمضون وقتاً طويلاً في انتقاد «ازدواجية المعايير» ربما يحتاجون النظر إليها بطريقة مختلفة. باختصار شديد القاعدة هي: في الحروب تسقط المعايير. وحتى في الحروب الأصغر، عاقب الغرب عراق صدام وإيران، بحرمان هذه الأنظمة من الطيران والمعلومات والإعلام والأسواق والرياضة والفنون. علينا أن نتعامل مع الأزمات بواقعية.
ليس صعباً أن نلحظ حالة الفزع التي تعيشها أوروبا، والغرب عموماً، فهذه أول حرب مباشرة منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الحروب تتصارع الدول على الموارد، مثل النفط والغاز والقمح، وتعتبره سلاحاً أساسياً في المعركة، وكل هذه الثلاث مرهونة في حرب أوكرانيا، يدفع ثمنها العالم مهما بعدت المسافة عن الحرب وعن كييف. فنحن، مثلاً، رابحون، ربما، مع ارتفاع سعر البترول، لكننا ندفع الثمن غالياً في مشترياتنا من القمح، بل وكل السلع المستوردة. ارتفاع سعر البترول سبق أزمة أوكرانيا، نتيجة لنهاية أزمة «كورونا»، وعودة التعافي للأسواق العالمية، وأكمل السعر ماراثونه مع الحرب والخوف الذي عم الأسواق.
أزمة اليوم ذات أبعاد تتجاوز حدود أوكرانيا، والهدف ليس إنقاذها بل وقف التدهور على مستوى العالم. المحظوظ هو الذي ليس مضطراً أن يأخذ موقفاً في الأزمة، وربما لا يوجد محظوظ محايد، بما فيهم سويسرا التي تبنت عقوبات على روسيا. ففي التصويت في الجمعية العمومية على قرار إدانة الاجتياح لأوكرانيا، كانت واشنطن تراقب مثل النسر، من لن يصوت معها، وبعدها أعلن الجانب الروسي أنه يرصد مواقف الدول في الأزمة ولن ينسى. ويزداد انقسام العالم إيلاماً، على حد السكين، حيث تتقلص مساحة المناورة معلناً نهاية مرحلة سلام ما بعد الحرب الباردة، والعودة إلى زمن المعسكرات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهدف ليس إنقاذ أوكرانيا الهدف ليس إنقاذ أوكرانيا



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 07:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مستحضرات تجميل تساعدك في تكبير شفتيك خلال دقائق

GMT 03:29 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكورات ثلاجات يُمكن أن تستوحي منها إطلالة مطبخك

GMT 01:08 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات الصادق توضح كيفية التعامل مع أهل الزوج

GMT 00:10 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

التشكيلي رشيد بنعبد الله يحتفي بالفرس في معرض فردي

GMT 07:30 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مصممة تضفي لمسة جمالية على منزل قديم في إنجلترا

GMT 05:49 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

تعرفي على أحدث تصاميم "الحنة البيضاء"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib