طرحت هذا السؤال نفسه من قبل، وأعيد النقاش عساه يفيد هذه المرة.
أحياناً أشعر بأننا أصبحنا نحب «الدين»، ونسينا «الله». كم المجهود المبذول فى النقاشات الفقهية والفلسفية والفكرية والسياسية حول العبادات والمعاملات والسلوكيات والدعاة والمشايخ يجعلنى أتساءل: هل نحن لدينا وقت أو طاقة، كى نعبد الله وفقاً لمقصده منا؟ أم أننا ننتصر لأنفسنا ولمذهبنا وشيخنا ضدهم وضد مذهبهم وضد شيخهم؟
تعاملنا مع الدين هو تعاملنا نفسه مع التعليم. لقد نسينا أن وظيفة التعليم هى «العلم»، واختزلنا «التعليم» فى الشهادة. وأظن أن الكثير منا لو أتيحت له فرصة أن يحصل ابنه على الشهادة من غير تعليم، ما وجد مشكلة كبيرة، ولو أمكن شراء الامتحان بالإجابة من المدرسين ويمتنع أولادنا عن الذهاب للمدارس أو حتى للدروس الخصوصية، لأقبل الكثيرون على هذا بلا غضاضة.
وتعاملنا مع الدين هو تعاملنا نفسه مع الرياضة. نحن نشجع الأندية ونتمنى أن يفوز النادى الذى نشجعه حتى ولو بالزور والتزوير. ورغماً عن أن الأصل فى الرياضة أنها فعل فردى الهدف منه الحفاظ على بدن الإنسان صحيحاً وحالته المزاجية معتدلة، لكن أغلبنا يقضى الساعات يتابع مباريات رياضية ولا يمارس الرياضة الشخصية على الإطلاق.
نحن نحب الخناقة فى الدين، ونحب الفتاوى الدينية الشاذة، ونطرب لها ونستمتع بها، ولكننا ننسى أن الأصل هو أن نكون إلى الله أقرب «حباً» فى «الله» والتزاماً منا بما جاء فى نصوص دينه المقدسة. لكن الخناقة عن البخارى ومدى صحة ما نُسب إليه أو ورد عنه، ليست تقرباً إلى الله بقدر ما هى خناقة عن «من هم المتحدثون باسم الله». لو سقط البخارى، من وجهة نظر فريق، لسقطت سلطة «النص» وأصبحت أمور الدين مسألة عقلية بحتة يتساوى فيها كل ذى رأى بغض النظر عن الخلفية الدراسية والمعرفية، ولو بقى البخارى، من وجهة نظر فريق آخر، لبقيت سلطة النص وأمكن الدفاع عنه بالنفوذ المهيمن عليه من قبل من يدعون أنهم يفهمون «النص» أكثر من غيرهم بحكم التخصص والدراسة.
ومفهوم تماماً أن الإجابة المنطقية للسؤال الوارد فى عنوان المقال هى أننا نعبد الله، ولهذا نتعبد (أى نقيم العبادات) وفقاً للدين الذى أرسله الله لنا على رسله وأنبيائه الذى هو جوهره التوحيد (لا إله إلا الله)، وقوامه العدل (فكل ما هو ظلم فليس من الدين)، وجوهره الإحسان (بما يحمله من رحمة ومغفرة) وآياته الأخلاق وحسن التعامل مع الناس، وأعمدته العبادات التى تضمن كل ما سبق، وهدفه إعمار الأرض فى الدنيا، ورضا الرب فى الآخرة.
الصلاة صلة بين الإنسان وربه، الذى صلّى ولم يستشعر هذه الصلة، فهو لم يصلّ حتى إن سقط عنه فرض الصلاة. ومن استشعر الصلة فهو فى صلاة سواء بالدعاء أو بالذكر أو فى الرحمة بعباده والحرص عليهم ونصرتهم ضد ظالمهم.
الخالق لا ينظر إلى صورنا وحركاتنا وأشكالنا، ولكنه ينظر إلى قلوبنا ليرى فينا حبنا له.
الخالق لا ينتظر منا دماء الأضحية أو لحومها، ولكنه ينتظر التقوى منا ليرى فينا حبنا له.
الخالق لا ينتظر منا الامتناع عن الطعام والشراب فى رمضان، ولكنه ينتظر التقوى منا ليرى فينا حبنا له.
الخالق لا ينتظر منا تعب ومشقة الحج، ولكنه ينتظر منا الذكر والشكر ليرى فينا حبنا له.
حد يفكرنى هو داعش بيقتلوا وبيذبحوا الناس ليه؟
حد يفكرنى هو الإخوان الذين يدعون أنهم يحملون الخير لمصر بيعملوا الشر اللى بيعملوه ليه؟
حد يفكرنى هو إحنا موجودين على الأرض ليه؟
لو فيه شىء واحد أحب أن أراه فى «الثورة الدينية» المفترض أن يكون «حب الله» وليس «المتاجرة بالدين» هو بوصلتها وجوهرها.
الدين هو وسيلتنا لحب الله، وليس الله، سبحانه وتعالى، هو أداتنا لإرضاء غرور أنفسنا بالانتصار لمذهب على مذهب أو مدرسة فقهية على مدرسة فقهية، أو فصيل سياسى على فصيل سياسى. والله أعلم.
ربنا لا تؤاخذنا، لأننا نسينا وأخطأنا.