معتز بالله عبد الفتاح
أخذتنى الحياة خلال الأسبوعين الماضيين إلى دولة عربية شقيقة ثم إلى العاصمة الأمريكية وصولاً إلى ما وراءها.
أستطيع أن أسجل ما يلى من ملاحظات:
أولاً، فى الدولة العربية الشقيقة، كنت مطالباً بالدخول فى نقاشات مع أشخاص لهم دور مهم فى حماية أمن بلادهم. تمر الأيام ليقول لى كبيرهم: «أنت دليل على أن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى ليست بحاجة لغيرها من غير المصريين كى تنهض. أنا عشت فى مصر 5 سنوات.. والله يا مصريين أنتم عندكم كل حاجة تخليكم أغنى دولة عربية، بس إيه اللى حاصل ليكم، ما أدرى». أشار الرجل إلى أن عدد من زاروا وتشاوروا معه ومع فريق عمله كثيرون من دول كثيرة، ولكن الأداء مال لصالح المصريين وكفاءتهم لأنهم بالفعل الأكفأ. لكن سؤاله: لماذا لا تستفيد مصر من كفاءات المصريين؟
الإجابة من عندى: خارج مصر، الأسد ملك الغابة، لكن فى مصر، القرد ملك الغابة. الأسد يعنى الأكفأ، والقرد يعنى من وصل إلى منصبه بالصدفة أو الواسطة أو بالدور. الأسد يستعين بالأسود والنمور والفيلة ويضع غيرهم فى المكان اللائق بهم، والقرد يستعين بالقردة والحمير والخنازير ويستبعد الأسود والنمور لأنهم تهديد له.
انظر إلى المؤسسات الناجحة فى مصر، ستجد على رأسها شخص قوى (أسد) استدعى الأسود واستعان بهم فأعانوه بغض النظر عن المقابل المالى أو الحسابات الشخصية.
ثانياً، أثناء زيارتى للولايات المتحدة الأمريكية، حضرت فى العاصمة الأمريكية مؤتمراً يناقش «التطرف وطرق مواجهته» وكان مؤتمراً ثرياً من حيث نقاشاته، وكالمعتاد يظهر بعض المنتمين لجماعة الإخوان ليفعلوا ما يجيدونه دائماً وهو الإساءة لأنفسهم من خلال تحقيق مكاسب جزئية تافهة ومتوهمة على حساب قضية الوطن الأكبر. هتف أحدهم، وسأل آخر سؤالاً يؤكد أنه إما لا يفهم اللغة العربية أو لا يفهم اللغة الإنجليزية أو لا يفهم على الإطلاق. يتحدثون وكأنهم ضحايا لغيرهم، فى حين أنهم ضحايا لقياداتهم التى تجاهلت كل نصيحة، ووقعت فى كل فخ، وارتكبت كل خطأ فى كتالوج الحكم. الواقعة طريفة من حيث أن أغلب الحضور هنأونى على أننى أكملت حوارى بمهنية وكأن شيئاً لم يكن، والحقيقة أنا ببساطة لم أرَهم، وإنما رأيت فيهم الخيبة المصرية التقليدية الموجودة عند الكثيرين منهم. يدفع 100 جنيه فى حاجة ثمنها جنيه، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً. مركب الخيبة الاستراتيجى عند الإخوان عميق ومتسع ومتعدد الأبعاد وملىء بالغثاء. والغريب أن السذج من شبابهم يظنون أن «قياداتهم» تصلح للقيادة. يا خسارة حظهم وحش.
ثالثاً، ذهبت فى رحلة سريعة إلى إحدى الجامعات المهمة فى كندا، وكان السؤال الأهم: لماذا هذا الكم من الانتهاكات لحقوق الإنسان؟ صوت الدولة المصرية غائب تماماً. والقضية أكبر من مجرد أن هناك دعاية مضادة لمصر. مصر مش موجودة على خريطة الدعاية السياسية والتسويق السياسى.
وهذا يرجعنى للملاحظة الأولى التى قال بها المسئول العربى، لماذا نحن فرادى بهذه الكفاءة، ولماذا لا نستطيع أن نعمل معاً؟