معتز بالله عبد الفتاح
فى حوار كاشف ومزعج تحدث الرئيس الأمريكى باراك أوباما مع توم فريدمان منذ عشرة أيام عن عدة ملفات مهمة: إيران، إسرائيل، و«داعش» وغيرها. ولكنه قال كلاماً خطيراً عن الدول السنية التى ترى فى إيران تهديداً لها، وكان كلامه رداً على سؤال من «فريدمان» عن دول الخليج العربى تحديداً.
وكان رد «أوباما»: «هذه الدول السنية الحليفة لنا تواجه تحدياً خارجياً ضخماً، ولكنها كذلك تواجه تحديات داخلية لا تقل خطورة، مثل الشعب الذى يبدو مغترباً عن حكومته، ومشكلة البطالة التى يعانى منها الشباب، والأيديولوجيات المدمرة والعدمية، وفى بعض الحالات وجود اعتقاد بأنه لا يوجد طرق شرعية للتعبير عن المظالم ومواجهتها. جزء من دور أمريكا أن نقول لحلفائنا كيف نبنى قدراتنا الخارجية ضد التهديدات الخارجية، ولكن كذلك كيف ندعم الجسد السياسى الداخلى حتى يشعر الشباب السنى أنه يوجد بديل آخر غير بديل داعش يمكنهم اختياره. أعتقد أن الخطر الأكبر لن يكون من غزو إيران لهذه الدول، ولكنه خطر الاحتقان الداخلى فى بلدانهم. هذا سيكون حواراً صعباً بيننا وبينهم، ولكنه حوار ضرورى».
هذا كلام فى منتهى الخطورة، وخطورته تتمثل فيما قلته صراحة لقيادات من الجيش الأمريكى ومن الكونجرس حين كانوا فى مصر منذ أسبوعين بناء على دعوة رسمية من الحكومة المصرية، ووجهت لى الدعوة مع آخرين للالتقاء معهم والرد على أسئلتهم، وكان حواراً بحضور عسكريين ودبلوماسيين مصريين.
قلت لهم صراحة: من ظنوا بالأمريكان خيراً، وهم قلة فى كل الأحوال، افترضوا ابتداء أنكم حين تبنيتم فكرة غزو العراق ثم نفذتموها كنتم تريدون أن تصنعوا من العراق «ألمانيا أو يابان» الشرق الأوسط، ولكنكم فعلتم كل ما جعل الجميع يتشكك فيكم: قمتم بحل الجيش، والشرطة، والحزب، وعبثتم بالجهاز الإدارى للدولة، وجعلتم الانتماء الإثنى والدينى يتقدم على الانتماء للدولة الوطنية العراقية. ببساطة دمرتم كل الأدوات التى يمكن أن يستعين بها أى حاكم لإدارة شئون الدولة. وكأنكم كنتم تلاميذ فى مدرسة برنارد لويس الذى قال منذ مطلع التسعينات إن مصلحة أمريكا ألا توجد دول قوية وكبيرة ومهيمنة فى الشرق الأوسط. ومن هنا بدأنا نوقن أنكم تريدون بالمنطقة شراً، لأنكم لا يمكن أن تكونوا بهذا الغباء.
ولكن بمرور الوقت تبين أنكم تعانون مثلنا نتيجة سياساتكم الخاطئة، وأنكم تتبنون سياسات على المدى القصير تحقق أهدافاً مؤقتة للغاية ثم تعانون معنا من نتائجها السلبية على المدى الأطول. مثلكم مثل من يربى ثعباناً صغيراً ليصطاد به الفئران ثم يكبر ويتحول الثعبان إلى تهديد لصاحبه. وهو ما حدث مع «القاعدة» والآن مع «داعش» ومع «الحوثيين» ومع كل جماعة أو تنظيم يستغل الفراغ السياسى الناتج عن سياستكم الخاطئة وقصيرة النظر.
قلت لهم إنكم تتبنون سياسات مينارد كينز حين دافع عن فكرة تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى حتى لو ترتب على ذلك ديون ضخمة على الدولة، وحين تم انتقاده قال: «علينا أن ننقذ العالم الرأسمالى من الكساد العظيم على المدى القصير، أما على المدى الطويل فكلنا سنموت».
إذن هم أمام ثلاثة احتمالات: كنتم تريدون بنا خيراً ولكنكم أخطأتم (أراد الخير فأخطأه)، متآمرون تريدون بنا شراً (أراد الشر فأصابه)، أو أغبياء، لا تعرفون ما يكفى عن المنطقة وتستلهمون تجاربكم فى احتلال والضغط على دول أخرى كى تصمموا خُططكم على أساسها فى منطقتنا، وبالتالى تغامرون وتفشلون ونحن نعانى. الغريب أننى لم أجد من يدحض كلامى من الأمريكان، بل على العكس، كان الكثير من الأمريكيين يتعاملون مع كلامى وكأنه جزء من انتقاداتهم هم لسياسات بلادهم الخارجية. أرى «أوباما» يرتكب نفس الخطأ، ويقول نفس الكلام الذى قاله من قبل «بوش» وهو يمهد للغزو الأمريكى للعراق ويدافع عن «الشرق الأوسط الكبير» و«الفوضى الخلاقة».
الحقيقة أن «الحوار الجاد» الذى يتحدث هو عنه لا بد أن يوجه له هو من القيادات العربية مجتمعة وعلى رأسها القيادتان المصرية والسعودية: كفى عبثاً بالمنطقة تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان على أهميتها، لأنه كلام فيه بعض من الحق ولكنه يراد به كل الباطل.
«أوباما» يمهد لـ«ربيع» عربى يجتاح ما بقى من دول المنطقة، فاحذروه.