معتز بالله عبد الفتاح
أنتهز الفرصة لأن أدعم حقوق المرأة كلما أستطيع. ومناسبة مقال اليوم هو ما كتبته بمهارة الأستاذة أميرة على بعنوان: «المرأة المصرية والحجاب.. حرب حق الانتفاع».
وهو ما يذكرنى بحوار دار مؤخراً بينى وبين ابنتى، الأخت المربية الفاضلة زينة، من ثلاثة أسابيع، حول: هل هى لازم تتجوز أم لا؟ وكان واضحاً أنه نتاج ضغوط عليها نتيجة حوار دار مع صديقاتها بأنها لا بد أن تتزوج فى كل الأحوال.
ولمعرفتى ببنتى والطريقة التى ربيتها أنا ووالدتها عليها، كانت إجابتى: «اعملى اللى انت عايزاه، تتجوزى ما تتجوزيش، تتجوزى مصرى أو غير مصرى، تخلفى أو ما تخلفيش، تاخدى موافقتى أو حتى فقط رأيى، المهم حاجة واحدة أن يكون ما تفعلينه فى دائرة الحلال تحت أى وجه من وجوه الشرع الشريف». وشرحت لها ما أعنيه، ووجدتها تأخذنى بالحضن وتحترم فيّا احترامى لإرادتها، بل وعدتنى بأنها لن تتخذ أى قرار فى هذا الأمر إلا بعد موافقة مامتها وأنا. وأعتقد أن هذا هو جوهر الموضوع: ربوا فى بناتكم الرقابة الداخلية ثم أعطوهن الحرية واحترموا قراراتهن.
مقالة أميرة تحمل نفس المعنى بالنسبة لى، تقول أميرة (بتصرف):
كنسوية صغيرة زادتنى الاعتراضات إصراراً. كان حجابى فى البداية خوفاً من الذنوب «المتلتلة» التى سأحصدها كلما نظر إلىّ رجل، كما سمعت من شيخ الكاسيت، ولكنه أضحى دليلاً على حريتى وتمردى على طبقية عائلتى. مشكلاتى مع الحجاب بدأت حينما لاحظت انجذاب الأمهات و«الأخوات» الزائد لى فى المسجد، يتكلمن معى على أننى سأصبح يوماً «عروسة لُقطة»، ويبحثن عن من هن من أمثالى لأبنائهن. كنت أتساءل: لماذا؟.. وكانت الردود دائماً تدور فى فلك «البنت الكويسة»؛ «مش زى بنات اليومين دول»؛ «مش زى بنات هنا، حيث إننا كنا هاجرنا إلى كندا فى هذا الوقت». فطنت لأن الحجاب هو -بالنسبة لهن- رمز للانصياع للذكورية، فى حين كان المايوه البكينى بالنسبة لى هو قمة تشيؤ وتسليع المرأة وعلامة انصياعها لمجتمع ذكورى متعفن يريد الاستمتاع بجسدها حينما يحلو له. كان تحت وسادتى كتاب «ناوومى وولف»: «أسطورة الجمال.. كيف يستعمل الجمال للتنكيل بالمرأة؟»، وكنت أقرأ مقتطفات منه كل ليلة بعدما أصلى العشاء فرضاً وسنة. كان حجابى ليس مجرد منديل. كان الحجاب ثورتى ضد مجتمع يقهرنى ويريد تشكيلى على كيف كيفه. كان حجابى ليس مجرد فرض، بل كان حجابى جزءاً منى.. كان حجابى هو أنا! وكنت أتحدث كثيراً مع نسويات مسلمات وكن يشاركننى الاحتفاء بانتصارنا على مجتمع لا يرى فينا إلا زينة وديكوراً ومادة للإغراء والدعاية.
خلعت الحجاب فى ٢٠٠٨، بعد ستة عشر عاماً من ارتدائه، ووقتها كانت كل نساء العائلة تحجبن وأصبح نادى «الجزيرة» يعج بالمحجبات وذوات الجلابيب (جمع جلباب وليس جلابية). وكانت قد تحجبت جدتى قبل وفاتها بسنوات قليلة انصياعاً لرغبة أحد أبنائها. نظر إلىّ الجميع وقتها كأننى جُننت. وهاجمتنى الكثيرات (أغلبهن خلعن الحجاب بعد الثورة)، لم يكن مفهوماً لأحد سر قرارى.
إن كانت الذنوب المشكلة فلماذا لا ينفق السلفيون ملايين الدولارات فى حملات للحث على مكارم الأخلاق التى لا خلاف عليها؟ لماذا لا نراهم يلعنون رمى القاذورات فى الشوارع وأخذ الرشاوى على المنابر؟ أليست هذه ذنوب نكراء فى ديننا الحنيف؟
الحكاية، إذن، ليست خوفاً علينا -يا حرام- من النار، بل هى حرب على «حقوق الانتفاع» بأجسادنا.
لن تغيروا الإسلاميين والإسلاميات بأن تقولوا لهم بأن آراءهم «كخة». فهم يرون أن آراءكم «كخة» كذلك. بحكم تخصصى كخبيرة صحة نفسية وتغيير سلوكيات؛ فإنى أعلم أن أفضل طريقة لجعل الإنسان يتشبث بآرائه -التى عادة يعتبرها جزءاً من كينونته- هو أن نهاجمها. إنك إن هاجمت أى إنسان تحول إلى طفل عنيد يدبدب فى الأرض ويتفتف يميناً ويساراً ويتشبث بلعبته «المحظورة».
التغيير يبدأ من الداخل.. والتغيير الأهم يبدأ بحب وتقبل الذات..
أنا رسالتى لكل فتاة وامرأة وأم:
كونى أنت كما تريدين..
كونى متسقة مع نفسك.. سعيدة.. متألقة..
البسى ما تريدين: طنجراً كان فوق أم رأسك أو «بادى» كارينا فوسفورى.
ولكن كونى سعيدة.. أبية.. بهية.