الدين والصراع السياسى بين أوروبا والعرب
أكرم الروماني مدرب مؤقت لفريق المغرب الفاسي كمدرب مؤقت خلفاً للمدرب المقال الإيطالي غولييرمو أرينا منع تام لحضور جمهور الرجاء الرياضي إلى الملعب البلدي ببركان وليس التنقل الجماعي فقط إيران تعلن استئناف المباحثات النووية مع القوى الأوروبية في يناير 2025 جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن مقتـل 3 عسكريين بينهم ضابط في المعارك التي تجري مع فصائل المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة قصر الإليزيه يُعلن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة فرانسوا بايرو التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ444 جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس مُديرية الأمن العام التابع لحركة حماس السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة دونالد ترامب يفضل السماح لتطبيق تيك توك بمواصلة العمل في الولايات المتحدة لفترة قصيرة على الأقل
أخر الأخبار

الدين والصراع السياسى بين أوروبا والعرب

المغرب اليوم -

الدين والصراع السياسى بين أوروبا والعرب

معتز بالله عبد الفتاح

تاريخ التطور فى العالم هو فى معظمه تاريخ «صراع وتنافس» بين قوى سياسية واجتماعية مختلفة. مثلاً شهدت أوروبا حرباً دينية - سياسية لمدة ثلاثين عاماً فى القرن السابع عشر. وما كادت أن تنتهى حتى دخلت حرباً أخرى بين الملكية والدستورية. وانتصرت فيها الدستورية دون أن تقضى على الملكيات فى كثير من دول أوروبا الغربية التى ظلت ملكيات دستورية (مثل إنجلترا وإسبانيا) أو بالقضاء على الملكيات فى دول أخرى (مثل فرنسا وإيطاليا).

وفى نفس الأثناء دخلت أوروبا حرباً أخرى بين الليبرالية وعدواتها، سواء الشيوعية أو الفاشية أو النازية. وانتصرت الليبرالية لكنها فى كل معركة كانت تخرج وعليها أن تستوعب الدروس وتتجنب الأخطاء. وقدرة المفكرين الليبراليين على استيعاب تناقضاتهم الداخلية أعظم كثيراً من قدرة المفكرين المنافسين لهم، كما أن قدرة القيادات السياسية من الليبراليين على تبنى الأفكار الجديدة أعلى كثيراً من قدرة غيرهم، لذا استمرت الليبرالية وانهار غيرها.

إذن العالم دائماً ما يشهد هذا النوع من الصراع الفكرى والسياسى، وأحياناً الدموى، حول كيفية إدارة شئون المجتمع فى علاقته بالأفراد وبالدولة وبالدين وبالاقتصاد والثقافة.

الدارس لهذه النوعية من الصراعات يصل إلى عدة استنتاجات لها دلالة فى منطقتنا العربية:

أولاً، الانتصار فى هذه الصراعات قد يأتى فى شكل الضربة القاضية إن تبنت الأطراف المختلفة منطق «إما أنا أو أنت»، فينتصر الأذكى والأقوى، مثلما انتصرت الليبرالية على الشيوعية والنازية والفاشية. ولكن يمكن أن تأخذ هذه الصراعات شكل «الحلول الوسط العظمى» التى يتم فيها العمل على البحث عن نقاط مشتركة يستفيد منها كل طرف، فمعظم دول أوروبا الغربية لم تنتصر للملكية ضد الدستورية أو العكس، ولكن ما حدث أنهم جمعوا بينهما، فالملوك الآن فى أوروبا الغربية لا يحكمون مباشرة، وإنما يحكمون من قبَل الأحزاب الفائزة فى البرلمان. والدور السياسى للملك أو الملكة عادة يكون أن «يستشار ويشجع ويحذر». نفس الكلام فى الاقتصاد، هزمت الليبرالية الشيوعية فى مواقع كثيرة، ولكنها فى أماكن أخرى، الدول الاسكندنافية مثالاً، استوعبت فكرة «الرأسمالية الاجتماعية» التى تتبنى فكرة «توماس جرين» عن ليبرالية تتبنى سياسات رأسمالية فى الإنتاج والاستثمار وإدارة الموارد لكنها تتبنى سياسات اجتماعية فى الخدمات المجانية والضرائب والدعم.

ثانياً، قضية «الدين» قضية شديدة التعقيد لأنها تضرب فى ثلاث من أهم أزمات بناء الدولة الحديثة: الهوية، الشرعية، المشاركة. النشطاء الدينيون يلعبون دوراً مهماً فى إقناع الناس بمدى أهمية ربط دينهم بهذه القضايا الثلاث. وتكون عادة المعضلة هى أن علاقة الدين بالدولة والمجتمع والدستور والاقتصاد لا تُحسم بقرار واحد يتفق عليه الجميع وإنما تأخذ دورات تاريخية طويلة مليئة بالجدل والدم. لو عدنا لتاريخ أوروبا لوجدنا أن الحروب الدينية فى أوروبا فى القرن السابع عشر التى مات فيها الملايين بمن فيهم ربع سكان الإمبراطورية الألمانية ما كانت إلا نتاجاً لفشل محاولات سابقة لحسم علاقة الدين بالدولة بما فى ذلك إعطاء المحليات الألمانية الحق فى تقرير ديانتها فى 1555م، وكذلك فى 1590م وما بعدها من حروب دينية فى فرنسا بين البروتستانت والكاثوليك، ثم الحرب بين هولندا البروتستانتية وإسبانيا الكاثوليكية التى انتهت باستقلال هولندا عن إسبانيا. كل هذه التطورات كانت المقدمات التى أفضت إلى الحل الأوروبى القائم على العلمانية بصيغها الثلاث: الشيوعية (البائدة) والقارية (داخل أوروبا) أو الليبرالية (إنجلترا وأمريكا).

الحل «العلمانى» جاء بعد فشل الحل «الشمولى» القائم على أن الدولة لن تستقر إلا إذا ساد فيها دين واحد وهو دين الدولة الرسمى. جاءت صراعات ثلاثة قرون بين البروتستانت على تنويعاتهم والكاثوليك على تنويعاتهم لتنتهى بفكرة أساسية: «الدين لله والوطن للجميع». أى الدين بينك وبين الله خالقك، والوطن لنا جميعاً أياً ما كانت علاقتنا بخالقنا.

ثالثاً، الانتصارات العابرة لا تحدد النتيجة النهائية للصراع، والمراجعة النقدية داخل كل مذهب أو فريق تلعب دوراً مهماً فى حسم نتيجة الصراع. من ينظر للفترات الأولى فى نجاحات هتلر كان سيستنتج أن النازية ستحكم العالم، ومن انبهر بالآلة السوفيتية الضخمة فى عهد ستالين، لا سيما فى عملية التصنيع غير المسبوقة فى التاريخ، لظن أن الشيوعية ستنتصر فى النهاية. والحقيقة هناك من قال ذلك من المراقبين لا سيما فى فترة الكساد العظيم فى الثلاثينات والأربعينات، حين بدت الرأسمالية فى أوهن حالاتها. ولكن جاء للرأسمالية المفكر الاقتصادى المهم مينارد كينز ليعطى للدولة دوراً مهماً فى التدخل بالإنفاق من أجل إنقاذ الرأسمالية، وتعلمت الدول الرأسمالية الدرس تباعاً وأنقذت نفسها من انهيار تام اقتصادياً وسياسياً.

وبالتالى، لا يظنن أحد أن الإسلام السياسى هُزم بالضربة القاضية فى مجتمعات الشرق، هو أخذ ضربة عنيفة أفقدته توازنه لكنه سيعود لأن الفراغ الذى تركه لم يملأه أحد حتى الآن. والأفكار الكبرى مثلها مثل المواد الفيزيائية: «لا تفنى، ولا تُستحدث من العدم، ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى». القضاء على الفكرة تماماً مستحيل، ولكن يمكن إثبات خطئها بتبنى ما هو أصلح منها.

رابعاً، الدين ظاهرة ديناميكية (متشعبة، متطورة، متحولة) ذلك أنها لا تظل مكانها وإنما هى تمتد لتتفاعل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم ينتج عن الدين الأصلى العديد من المذاهب والفرق والفلسفات، وداخل المذهب الواحد تظهر هذه الديناميكية مرة أخرى. والكلام هنا لا ينصرف إلى الإسلام فقط بما فيه من عشرات المذاهب الفقهية والفكرية والسياسية، لكن كذلك فى المسيحية. مثلاً ظهرت البروتستانتية مع مارتن لوثر لكنها أخذت مذهب «الزيونجاليانزم» فى سويسرا، و«الأنابابتيسم» فى ألمانيا، و«الكالفانية» فى فرنسا، و«الإنجليكانية» فى إنجلترا. وتحول الكالفانيون والبروتستانت إلى أعداء فى كثير من المجتمعات بأكثر من عداء الطرفين للكاثولكية التى خرجا من أجل مناهضتها أصلاً.

بل هناك ظاهرة أخرى، وهى أن من يتبنى خطاباً دينياً سياسياً معتدلاً فى البداية يمكن أن يقع فى خانة الفاشية الدينية دون أن يقصد. والمثال هذه المرة من أحد أهم الأسماء فى عالم البروتستانتية: جون كالفن. وهو الرجل الذى حكم جمهورية جينيفا ليجعل من نفسه ومعاونيه «داعش» فى قلب أوروبا. الكالفانيون كانوا يمتحنون الناس فى عقائدهم، ويُقتل ويُصلب كل من يخالفهم فى العقيدة أو حتى طريقتهم فى رؤية العالم.

خامساً، فى منطقتنا العربية، الاستعمار ترك مجتمعات، وأحياناً تجمعات بشرية، بلا دول تامة الصنع، فحدث الصراع بين الإسلاميين والوطنيين والعروبيين على من يرث الاستعمار فى حكم الدول العربية. انتصر غير الإسلاميين فى كل الدول العربية تباعاً ولكن كانت معظم التطورات الكبرى فى صالح الإسلاماسيين لا سيما بعد هزيمة 1967 ثم خروج مصر من المعادلة العربية مؤقتاً بعد الصلح مع إسرائيل ثم مع انتصار الثورة «الإسلاماسية» فى إيران، ثم شبيهتها فى السودان، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة فى تركيا.

العرب الآن يدخلون حرباً طويلة المدى بين قوى تدافع عن التسلطية بدعوى الاستقرار وأخرى تطالب بالديمقراطية بدعوى الحريات، وبين قوى القبلية والمذهبية وبين قوى الدولة الوطنية. وهى حرب طويلة لم نتعلم فيها أى شىء من خبرات غيرنا.

عرفنا الآن أن الجيل الحالى من قيادات الإسلام السياسى أضعف من أن ينهضوا بأحوال أى بلد عربى، ولكن ضعفهم هذا لا يعنى أن منطقتنا العربية وصلت إلى وضع توازنى فى علاقة الدين بالدولة لأن الكثير من النخب العربية الحاكمة ليست على مستوى التحدى، وما أراه يحدث فى منطقتنا خلال هذه الفترة هو أننا مجتمعات تئن من غلبة الجهل والتخلف والتعصب عليها وكأنها تكرر المشهد الأوروبى من 500 سنة دون أن تسعى لأن تتعلم. تعلم الساسة والمفكرون فى شرقى آسيا، فنجحوا، تعلم الساسة والمفكرون فى الكثير من دول أفريقيا جنوب الصحراء، فنجحوا، تعلم الساسة والمفكرون فى أمريكا اللاتينية، فنجحوا. أما نحن، فبعيدون عن التعلم لأننا لا نحب العلم ولا نحترمه ولا نعرف له أهمية. وكما قالت أم محمود بتاعة الخضار: «محاولة استخدام العلم لعلاج مشاكل مجتمع لا يعترف بالعلم هى محاولة غير علمية فى حد ذاتها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والصراع السياسى بين أوروبا والعرب الدين والصراع السياسى بين أوروبا والعرب



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib