معتز بالله عبد الفتاح
ألتقى أحياناً مع قطاع من الشباب، وألمس فيهم تخوفاً من الحاضر وقلقاً من المستقبل الممزوج بحالة من الإحباط ونظرة سلبية عن الواقع وإحساس متعاظم بأن فرص الترقى الاجتماعى والاقتصادى والحراك الطبقى من أسفل إلى أعلى قليلة وتقل.
تعبيرات الواسطة والمحسوبية وقلة الحيلة والإحساس بفقدان الأمل تسيطر على بعضهم.
والحقيقة أن تقديم أى رؤية مضادة لما يؤمن به الشباب فى هذا الصدد وما يعيشونه فى واقعهم هو اجتهاد سيقبله بعضهم ويرفضه بعضهم.
أعلم أن هناك واسطة ومحسوبية، ولكن أعلم كذلك أن أى صاحب شركة أو مصنع سيعمل حسابه أن يكون هناك بالإضافة لمن يحصلون على الوظائف بالواسطة آخرون يصلون إلى الوظائف بالكفاءة، وإلا انهارت الشركات والمصانع تماماً.
بعض الشباب يعتقد أن من يقفون على قمة الهرم الاقتصادى أو السياسى أو الاجتماعى أو الثقافى يقفون حيث هم، لأنهم ولدوا فى قمة الهرم، هذا غير صحيح فى معظم الأحيان، هناك أقلية تسير فى حياتها فى خط أفقى من أسرة ثرية ويعيش بعدها أثرياء، ولكن هناك كذلك من يسير فى حياته فى خط رأسى بما فيه من تعريجات ومنحنيات، فيولد من طبقة اجتماعية أو اقتصادية أدنى وينتقل بالتعليم والاجتهاد وحسن اكتساب الخبرات والمهارات الشخصية إلى طبقة أعلى، وحين يجتهد الإنسان، ييسر الله له من يساعده ويوجهه ويأخذ بيده.
كل واحد فينا عنده 365 يوماً فى السنة، و24 ساعة فى اليوم، وكل واحد منا يستغل هذه الساعات فيما يفيد أو تضيع منه فيما لا فائدة منه، محصلة حسن استغلالك للزمن تحدد النقطة التى ستنتهى عندها.
فى آخر لقاء لى مع الشباب، اضطررت أن أضرب لهم مثلاً بخبرتى الشخصية بعد أن بالغوا فى تصوير قلة الحيلة، لقد نشأت فى أسرة معقولة الحال لا نحن من الأثرياء ولا نحن من الفقراء، وكنت أقضى إجازة نصف العام بين مساعدة عمى فى محل بقالة، وفى تعلم اللغة الإنجليزية فى المعهد البريطانى ثم الجامعة الأمريكية، وحفظ القرآن الكريم ومطالعة الكتب والحديث مع الكبار من أصدقاء والدى -الله يرحمه- كى أضيف إلى نفسى خبرة ما وصلوا إليه والاستعداد للعام الدراسى اللاحق بالحصول على كتب السنة الدراسية اللاحقة من زملائى الأكبر سناً كى أستعد للعام الجديد، وكنت ألعب كرة القدم فى الشارع مع أصحابى، وكانت الحياة ثرية ومبهجة وجادة فى نفس الوقت.
مات أبى مبكراً، ولكن يبدو أن الله وجد فيه إخلاصاً فأورثه فينا بالبعد عن الكثير من مزالق الخطأ التى كان يقع فيها الزملاء والأصدقاء آنذاك. لست طبقياً، ولكن بفضل الله رأيت فى سنى حياتى الأربعين أناساً يرتفعون وأناساً ينخفضون مادياً وأخلاقياً. والمحدد الأساسى فى كل هذا هو مقدار استفادتهم مما هو متاح لهم من وقت وإمكانات مهما كانت بسيطة، وقدرتهم على أن يتجنبوا مواضع الزلل.
بعض الشباب يظن أن بعض الناس «محظوظ» وكأن الحظ هى رمية زهر تعطى من لا يستحق ما لا يليق. ولكن أظن أن «الحظ» هو نقطة التقاء الفرصة بالاستعداد. لو جاء أحدهم ليقول لنا إن هناك فرصة عمل لشخص يجيد اللغة الإنجليزية وقد تكاسل كثيرون عن التعلم عدا واحد، فهل هى مسألة «حظ عشوائى» أن يفوز هذا الشخص بالعمل؟ أم أن الأجدر أن نقول إن هذا الشخص كان الأكثر استعداداً؟
قال «عمر» رضى الله عنه: لا يقعدن أحدكم ويقول ارزقنى، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ولكن الله يرزق الناس بعضهم من بعض.
اجتهدوا قدر ما تستطيعون، واستفيدوا مما هو متوافر لكم من إمكانات الحياة الكثيرة حتى تكونوا مستعدين حين تأتى الفرصة.
وتذكروا الحظ = الفرصة + الاستعداد.
«وما بكم من نعمة فمن الله» صدق الله العظيم.