معتز بالله عبد الفتاح
عادة ما نتحدث عن الدور الذى تلعبه القيادة فى المعادلة الاستراتيجية لقوة كل دولة. هناك دول كانت قياداتها وبالاً عليها، القذافى وصدام حسين مثالان، وهناك دول كانت قياداتها إضافة كبيرة لها، الشيخ زايد والملك عبدالعزيز آل سعود مثالان. ولا شك أن «بوتين» خلق روسيا جديدة بعد أن كاد أن يضيعها «يلتسن» السابق عليه.
كتب على إبراهيم فى «الشرق الأوسط» عن دور «بوتين» فى روسيا، ودور روسيا فى منطقتنا كلاماً مهماً. يقول الرجل:
يجب الاعتراف بأن الرئيس الروسى بوتين استطاع أن يعيد فرض الاتحاد الروسى على الخريطة العالمية بعد نحو ثلاثة عقود من التهميش فى النظام العالمى الذى تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، عوملت فيها روسيا كرجل العالم المريض.
وطبيعى أن يحتل لقاء أوباما وبوتين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاهتمام العالمى مع تداخل القوتين فى كثير من القضايا العالمية، خصوصاً الأزمة السورية وأوكرانيا.
وعشية اللقاء بين الزعيمين عززت روسيا أوراقها التفاوضية باتفاق تبادل معلومات استخباراتية مع العراق وإيران وسوريا، وإعلان أن اجتماعاً للاعبين الرئيسيين يشمل دول المنطقة وروسيا وأمريكا سيعقد الشهر المقبل حول سوريا، من جانبه أكد الرئيس الأمريكى استعداده للعمل مع روسيا وإيران حول سوريا.
وكما هو واضح فإن روسيا وجدت فى الأزمة السورية مدخلاً للعودة بقوة إلى المنطقة التى كانت ساحة صراع بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتى السابق والولايات المتحدة فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى. هل نحن بصدد عودة الحرب الباردة من جديد؟ من الخطأ الوقوع فى هذا الوهم، صحيح أن موسكو أرسلت طائرات مقاتلة وأسلحة إلى الأسد، فى أول وجود عسكرى منذ طرد السادات الخبراء العسكريين الروس قبل حرب أكتوبر، إلا أن تصريحات بوتين فى حواره التليفزيونى أمس حول عدم إرسال جنود إلى سوريا الآن تحمل إشارات بأنه لا يريد التورط عسكرياً. والحقيقة أن أسوأ ما يمكن أن تتعرض له المنطقة هو أن تكون ساحة صراع دولى جديد تباع وتشترى فيه من دون مراعاة مصالحها، وأفضل ما يمكن أن تفعله دول المنطقة التى ستشارك فى الاجتماع الدولى حول سوريا هو أن ترسخ رؤيتها لحل الأزمة السورية، وأن تكون مستعدة لإرسال قوات فى حالة الاحتياج إلى ذلك لحماية أو فرض السلام، فلا يجب ترك الوجود على الأرض لكل من إيران وتركيا.
ويجب الاعتراف بأن السياسة هى فن الممكن، وهذا بالتحديد هو الذى أدى إلى تبدل المواقف الغربية بهذا الشكل الصارخ بتصريحات مناقضة للسابق بأنه لا دور للأسد فأصبح له الآن دور فى المرحلة الانتقالية بعد أن وضعت معظم القوى الغربية القضاء على تنظيمات التطرف والتكفير فى سوريا كأولوية قبل الإطاحة بالأسد.
من الذى سهل انتشار المسلحين التكفيريين فى سوريا، وأدى إلى أكبر عملية نزوح منذ الحرب العالمية الثانية؟ هذا سؤال أصبح من الماضى، فالمهم الآن إخراجهم منها قبل أن يدمروا كل شىء كالتتار بفكرهم العدمى، وعملياً عندما تتوقف الحرب هناك ويبدأ البحث عن حل سياسى سيكون الأسد فى موقف أضعف مما هو عليه الآن، ولن يستطيع أن يتهرب من مسئوليته عما حدث لسوريا خلال 4 سنوات.
الدور الروسى قد يساعد فى إيجاد مخرج من الأزمة السورية إذا نجحت موسكو فى التعاون مع واشنطن فى فرض مرحلة انتقالية، ويبدو أن هناك أطرافاً فى واشنطن تمهد لذلك، فليس معقولاً الإعلان عن دخول مقاتلين دربتهم واشنطن بأسلحة إلى سوريا، وبعدها بيومين يعلن أنهم سلموا أسلحتهم إلى «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، كما كان غريباً من البداية الإعلان عن دخول هؤلاء المقاتلين عبر الحدود فى حين أن ذلك يفترض أن يكون سراً عسكرياً.
إذا كانت موسكو تريد لعب دور إيجابى فى الأزمة السورية، وهى لديها مخاوف من المتطرفين من جمهوريات روسية يذهبون للقتال فى سوريا، فإن هذا لا يضير الأطراف العربية التى تريد المحافظة على سوريا فى إطار المنظومة الإقليمية العربية، والاجتماع الذى اقترحته موسكو بمشاركة واشنطن فرصة لذلك.