معتز بالله عبد الفتاح
حذرت، شفاهة وكتابة، سرا وعلنا، مَن بيدهم الأمر مِن أن إسالة الدماء يمكن أن تفض الناس اللى جوه «رابعة»، لكنها ستخلق «رابعة» جوه الناس تستنزف البلد لسنوات طوال. ولكن لا حياة لمن تنادى. وعموما أنا اعتدت على من فى أذنهم صمم فى هذا البلد.
لفت نظرى تحليل يستحق التأمل للصديق أحمد عبدربه فى جريدة «الشروق» عن «كف رابعة ومستقبل الوطن» قال فيه:
* «رابعة» والنظام: باختصار؛ فالنظام القائم هو من قتل مواطنيه المعتصمين فى «رابعة»، قتلا عشوائيا وبدم بارد، أرادت الدولة العودة إلى التأكيد أنها وحدها من تمتلك بل وتحتكر استخدام العنف، ومارسته بقسوة على مواطنيها؛ لأنها رأت أن اللحظة الهستيرية التى أعقبت التفويض تستدعى أن تقوم بشرعنة للدم المسال لأغراض قومية من جهة وأن تكسر الفوضى فى الشارع عبر التضحية، أولئك الذين لن يبكيهم أحد لأنهم ليسوا من مواطنى الدرجة الأولى الذين إن خُدش لهم أحد قامت الدنيا ولا تقعد، من ناحية أخرى، بحثت الدولة عن مبررات الفض فتورطت فى مبالغات وصلت إلى حد اتهام الاعتصام بحمل أسلحة ثقيلة ونسبها إلى تقارير إحدى المنظمات الحقوقية على لسان وزير الخارجية المصرى وهو ما ثبت كذبه لاحقا واضطر الوزير للاعتذار. لم تكتفِ الدولة بالقتل العشوائى، لكنها لم تبذل أى جهد لفتح تحقيقات جدية ومحايدة بشأن ما وقع لأنها قطعا مدانة.
* «رابعة» والجماعة: تتحمل الجماعة، عبر قادتها، مسئولية أخلاقية وسياسية عمّا وقع؛ فالجماعة ومنذ ٣ يوليو تبحث عن المظلومية التى ستمكنها من الحفاظ على تماسكها وتنظيمها حتى لو على حساب البشر، وهو ما كان، تعبئة للبشر عبر رسائل وخطب خزعبلية خلطت الأوراق وروّجت للأكاذيب وداعبت الحالمين بالجنة وبالاستشهاد؛ فجبريل نزل لـ«رابعة» والرئيس مرسى أمّ الأنبياء والمرسلين، فأسرت الخطب البشر والأتباع وراحوا يستسهلون الشهادة فى سبيل تنظيم فاشل وقيادات تتمتع بغباء سياسى وانتهازية إنسانية منقطعة النظير، فوقعت المظلومية وراحت أرواح البشر فداء لاتفاق ضمنى غير معلن بين الدولة الباحثة عن احتكار العنف لإعادة هيبتها الضائعة وبين الجماعة الباحثة عن الدم وتقديم الشهداء فداء للتنظيم.
* «رابعة» والتيارات المدنية والليبرالية: بئس التيارات المدنية والليبرالية تلك التى تسكت، بل وتبرر أحيانا للقتل الجماعى العشوائى بدعوى استعادة هيبة الدولة، أو تغض الطرف استجابة للأمر الواقع وتوازناته، هؤلاء لم يتعلموا من التاريخ شيئا ولم يثبتوا على مبادئ وشعارات سبق أن تم رفعها حينما خُدش هذا أو قُتل ذاك فى عهد «مرسى»؛ فالقتل أيام «مرسى» كان جريمة وفاشية، أما القتل فى هذه الأيام فهو مبرر ما دام قد طال مواطنى الدرجة الثانية ممن لا يُبكى لهم ولا تقام لهم المؤتمرات والتأبينات والبكائيات بدعوى حقوق الإنسان والمواطنة والحريات... إلخ. صحيح كانت هناك استثناءات داخل هذه التيارات، لكنها أقلية تعرضت لنبذ ومزايدات رهيبة من تياراتها بدعوى الانضمام للطابور الخامس أو لعب دور الخلايا النائمة... إلخ.
* «رابعة» والمنظمات الحقوقية: الغالبية العظمى من المنظمات الحقوقية سكتت عمّا حدث، وكأن ما وقع ليس له علاقة بحقوق المواطن وأمنه، بل إن إحداها خرجت ببيان عجيب يوضح أن فض اعتصام «رابعة» تم وفقا للمعايير الدولية، دون أن يوضح ماهية هذه المعايير ولا كيف لها أن تصل إلى تلك النتيجة.. وهو ما يعيد فتح الملف الحقوقى فى مصر للتفرقة بين الحقوقيين الحقيقيين وبين «الدولاتيين» الجدد.
* «رابعة» والإعلام: أثبتت حادثة «رابعة» أن الإعلام من المستحيل أن يكون محايداً، وأن أقصى ما نطمح إليه أن يكون محترفاً، وحتى تلك الأخيرة غابت عن معظم قنواتنا الإعلامية فى تغطية أحداث فض الاعتصام فى «رابعة»، وكانت قناتان على الأقل خلال عملية فض الاعتصام تعلنان مصادرة كاميراتهما وبالتالى لم نرَ شيئا من عملية الفض على الهواء كما وعدت «الداخلية»، وانتهى الأمر بأننا مضطرون أن ندافع عن الدولة وعن عملية الفض الاحترافى دون أن نرى أى دليل على ذلك إلا تصديق نية الدولة!
ويضيف مشهد محاكمة الدكتور مرسى والحشود الملاحقة له المزيد من الالتباس. وسامحونى: «يستمر العك».