معتز بالله عبد الفتاح
مع كل يوم أزداد اقتناعا أن هناك «حاجة غلط فى الماء» بما يفسر هذا الكم من اللاعقلانية فى أناس يفترض أن يكون الشرط الأساسى لوجودهم فى قمة الهرم السياسى هو أنهم عقلانيون.
صدق من غنى: «علشان هو مصرى والنيل جواه بيسرى». وأصبحت أجيب عن أى سؤال يتعلق بلماذا أقدم طرف ما على قرار غير مفهوم لى ما بأن السر هو: «علشان هو مصرى والنيل جواه بيسرى». أكيد أن أعداءنا قرروا أن يضعوا فى المياه مادة تجعلنا نفقد قدرتنا على التفكير المنطقى. هذا الكم من سوء التقدير أمر لا يمكن أن يكون بالمصادفة.
نركز مع بعض..
نجح الرئيس مرسى فى أن يستعدى خلق الله عليه لغاية ما وقف أغلب الناس ضده، لكننا نرتكب الآن من الأخطاء وكأننا مصممون على إثبات أن المشكلة ليست إخوانية وإنما مصرية.
مثلا.. مثلا.. حين وقف الفريق السيسى معبرا عن جموع من نزلوا إلى الشارع فى 30 يونيو ومعه ممثلون عن مؤسسات الدولة وعن القوى السياسية كانت الرسالة الأساسية أننا بصدد إما انتخابات رئاسية مبكرة (وهو ما كنت أفضله) أو استفتاء على بقاء أو رحيل الرئيس مرسى. وكان هذا التصور يتفق مع تشبيه استخدمته آنذاك فى أن أتوبيس الحكم انحرف عن طريقه ووقع فى مطب حكم الإخوان ولا بد أن يعود بسرعة إلى الطريق مع قيادة أخرى بحيث لا تكون القوات المسلحة هى التى تحكم الفترة الانتقالية مرة أخرى. وكان الأمل أن يكون الحكم المؤقت لمدة محددة بشهرين بحد أقصى، على أن يقوم الرئيس المؤقت بتحديد أسماء لجنة فنية لا تزيد على خمسة أو سبعة خبراء ليقوموا بتعديل المواد المثيرة للجدل والتى تفاوت تقديرها بين سبع أو خمسة عشر أو اثنتين وثلاثين مادة، ويكون يوم انتخاب الرئيس الجديد هو نفس يوم الاستفتاء على تعديل هذه المواد.
هذا ما كنت أظنه صوابا.
وحين جاء الإعلان الدستورى الخارج من الرئاسة كانت المفاجأة التى نعيش فصولها التعيسة حتى الآن. لجنة من عشرة ثم لجنة من خمسين ثم انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية، ومع طول المدة يحدث فض الاعتصامات والمواجهات ثم قانون طوارئ وحظر تجول ثم نكتشف أن لجنة الخمسين تطيح بما أنتجته لجنة العشرة التى ظلت تعمل لمدة 30 يوما كنا بحاجة لأن نستثمرها وليس أن نضيعها. والآن نعيش فى جدل لأن لجنة الخمسين تقوم بفتح بطن الدولة مرة أخرى. ربنا يوفقهم؛ لأننا بحاجة لأى لحظة توافق حقيقية، لكن أشك أنهم سينجحون فى الوصول إلى ما يعدوننا به؛ ليس لقصور فيهم ولكنهم يعملون فى مناخ فيه توازنات قوى تفرض نفسها عليهم.
فى ظنى أن انتخابات رئاسية مبكرة مع تعديلات دستورية للمواد الأكثر إثارة للجدل والتى اقترحتها القوى التى انسحبت من الجمعية التأسيسية كانت ستعنى ثلاث مميزات على الأقل:
أولا: العودة بسرعة إلى الشرعية الانتخابية بما يعنيه من تخفيف حدة عدم الاستقرار المصحوب بفيض الدماء الزكية، ومع اجتهادات لجنة الدستور فى محو آثار الدستور السابق سيتحول الاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية إلى معركة سياسية حادة. ولا أعرف كيف سيستطيع الجسد السياسى المصرى العليل أن يمر بكل هذه الصراعات.
ثانيا: انتخاب رئيس جديد كان سيعنى للداخل والخارج أن انحراف الدكتور مرسى عن الديمقراطية هو السبب فى «الحجر السياسى» عليه وأن هذا المرض ليس له علاج سوى العودة إلى طريق الديمقراطية عن طريق العودة إلى صناديق الانتخابات بسرعة.
ثالثا: ما كان لمصر أن تخضع لهذا الكم من الابتزاز الداخلى والخارجى لو كانت تعديلات الدستور وانتخابات الرئاسة تتم خلال شهرين من 3 يوليو، أى من شهر مضى.
لى صديق من كبار رجال الدولة حاليا، وبعد أن تم الإعلان عن خارطة الطريق، قلت له: يا رب تكونوا صح، لكن أشعر أنكم «بتعكوا». حاول أن يطمئننى، لكنه بدأ يشعر بعدم الاطمئنان مؤخرا.
ولو سألتنى: لماذا لم يعد يشعر بالاطمئنان؟ سأقول لك: علشان هو مصرى والنيل جواه بيسرى.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكل عيد وأنتم بخير.